المقدّمة
يشبهُ ملكوت السماوات
"يشبه ملكوتُ السماوات، نملةً تجرُّ حبّةَ شعير، وصلَتْ إلى مرتفعٍ وقد أعياها الأمرُ، فتدحرجتِ الحبَّةُ فلم تتخلَّ عنها. وقعتْ ثانيةً فلم تفترْ همَّتُها ولمّا تزلْ على هذه الحال مرّاتٍ كثيرة حتّى استجمعتْ قواها واستطاعتْ عبورَ المرتفعِ بالحبّةِ لتتابعَ سيرَها إلى خاصَّتِها
هي نادرةٌ صغيرةٌ مليئةٌ بالعبر، دوَّنتُها بشبه مقطع إنجيليّ. وما هي إلاّ قصّةُ تيمورلنكَ الملك الذي خسِرَ إحدى معاركِه وفقدَ الأملَ بالنصر إلى أن رأى تلكَ النملةَ وأخذَ منها عبرةَ الثباتِ واستطاعَ بفضلِها أن يعودَ إلى ساحةِ الوغى ويحقّقَ النصر
بهذه العبرةِ بدأتُ عظةَ قدّاسي الأوّل، يومَ العنصرةِ من سنة 1994، وقد اختبرتُ أهميّةَ العِبَرِ والأمثالِ في الوعظِ والإرشاد، إذْ "أخذ يسوعُ يعلِّمُ الجموعَ بالأمثال. وكان لا يخاطِبُهم إلاّ بالأمثال
* * *
هذا هو الكتابُ الأوّل من سلسلة جديدة، أخذت اسم "وقالتِ الحكمةُ" لأنّها تضمّ مجموعةً كبيرةً من الحِكَمِ والعِبَرِ والأمثال. وُضعَتْ في مطلعِ الألفيّة الثالثة، لتكونَ في متناولِ جميعِ الناس، يستقون منها ما يغذّي فكرَهم ونفسَهم وروحَهم. هي مفيدةٌ للكاهنِ في عظاتِه وأعمالِه الرسوليّة، وللراهبِ والراهبةِ والشمّاس في سهراتِهم الإنجيليّةِ وفي أحاديثِهم الروحيّة، وللمؤمنِ لأجلِ بناء حياةٍ على أسسٍ مسيحيّةٍ راسخة
يحوي هذا الكتابُ "يشبهُ ملكوتُ السماوات" مجموعةً من القصص الصغيرة والخواطرِ الطريفةِ والحِكَمِ البليغةِ التي تتكلّم على الملكوتِ والحياةِ الأبديّةِ والدينونة. لم يدوَّنْ ليُقرأ دفعةً واحدة، عبرةٌ واحدة تكفي في اليوم
أخوتي القرّاء، خذوا وقتَكم في قراءَتِه لتفكِّروا في ما قرأتم، وتغذّوا منها نفوسَكم، وتسعوا في تطبيقِها في حياتِكم
الخوري أنطوان الدويهيّ
سرّ الملكوت
دخل يومًا محاربٌ جبّارٌ على أحدِ الرهبانِ النسّاك، وسألَه: "يا أبتاهُ، أودُّ أن أعرفَ شيئًا عن الجنّةِ والجحيم."
رفع الناسك ناظريه صَوبَ المحاربِ فوجدَهُ ضخمَ الجثّةِ، أشعثَ الشعرِ، طويلَ اللحية، فأجابَه بطريقةٍ وقحة منفرة: "أتريدني أن أعلّمَك شيئًا عن الجنّةِ والجحيم؟" سكت لحظة، ثمّ تابع: "لن أعلِّمَك شيئًا أبدًا. أنظرْ إلى نفسِك. لستَ سوى إنسانٍ بائس، تنبعثُ الرائحةُ الكريهةُ منكَ، أنظرْ إلى لحيتِك فأنتَ لم تحلقْ منذُ أمدٍ بعيد. أنتَ أنذلُ محاربٍ رأيتُه في حياتي، قمْ اخرُجْ حالاً من أمامي، فأنا لم أعدْ أحتملُ قذارتَك."
في هذه الأثناء، أخذ المحاربُ، شيئًا فشيئًا، يزدادُ غيظًا وحنقًا وقد احمرَّتْ وجنتاهُ وتورَّمَتْ رقبتُه من شدّة السخط، ولم يعدْ يعرفُ ماذا يقولُ أو ماذا يفعل، وراحَ يلعنُ ويشتمُ في حضرةِ الناسِك، وقد استلَّ سيفَهُ من غمدِه، وهمَّ بقتلِ الناسِك
عندئذٍ، أوقفه الناسِكُ بحركةٍ لطيفة من يدِه، وقد علَتْ على وجهِه ابتسامةُ الرضى وقال: "هذه جهنَّم."
انتبه المحاربُ لنفسه فعاد إلى صوابِه وأدرَكَ ماذا عنى الناسِكُ بكلامِه ورجع إلى هدوئِه وصفاءِ ذهنِه وأخذَ يفكِّرُ كيف يعرِّضُ الناسِكُ نفسَه لخطرِ الموتِ ليعلِّمَه معنى الجحيم والجنّةِ بطريقةٍ حسيَّةٍ وإن كانَتْ صعبةً وجسورة. ثمّ أعادَ المحاربُ سيفَه إلى غمدِه وهمَّ بالاعتذار عندما سمعَ صوتَ الناسِكِ يتابعُ قائلاً: "هذه الجنّة."
بتصرّفي أحيانًا كثيرة، أمثِّلُ حياةَ الجحيمِ وأحيانًا أخرى أمثِّلُ حياةَ الجنّة. فلنسعَ أن نجعلَ حياتَنا جنَّةً منذُ وجودِنا على الأرض، لتستمرَّ حياةُ الجنّةِ فينا بعد موتِنا
يشبهُ ملكوت السماوات
"يشبه ملكوتُ السماوات، نملةً تجرُّ حبّةَ شعير، وصلَتْ إلى مرتفعٍ وقد أعياها الأمرُ، فتدحرجتِ الحبَّةُ فلم تتخلَّ عنها. وقعتْ ثانيةً فلم تفترْ همَّتُها ولمّا تزلْ على هذه الحال مرّاتٍ كثيرة حتّى استجمعتْ قواها واستطاعتْ عبورَ المرتفعِ بالحبّةِ لتتابعَ سيرَها إلى خاصَّتِها
هي نادرةٌ صغيرةٌ مليئةٌ بالعبر، دوَّنتُها بشبه مقطع إنجيليّ. وما هي إلاّ قصّةُ تيمورلنكَ الملك الذي خسِرَ إحدى معاركِه وفقدَ الأملَ بالنصر إلى أن رأى تلكَ النملةَ وأخذَ منها عبرةَ الثباتِ واستطاعَ بفضلِها أن يعودَ إلى ساحةِ الوغى ويحقّقَ النصر
بهذه العبرةِ بدأتُ عظةَ قدّاسي الأوّل، يومَ العنصرةِ من سنة 1994، وقد اختبرتُ أهميّةَ العِبَرِ والأمثالِ في الوعظِ والإرشاد، إذْ "أخذ يسوعُ يعلِّمُ الجموعَ بالأمثال. وكان لا يخاطِبُهم إلاّ بالأمثال
* * *
هذا هو الكتابُ الأوّل من سلسلة جديدة، أخذت اسم "وقالتِ الحكمةُ" لأنّها تضمّ مجموعةً كبيرةً من الحِكَمِ والعِبَرِ والأمثال. وُضعَتْ في مطلعِ الألفيّة الثالثة، لتكونَ في متناولِ جميعِ الناس، يستقون منها ما يغذّي فكرَهم ونفسَهم وروحَهم. هي مفيدةٌ للكاهنِ في عظاتِه وأعمالِه الرسوليّة، وللراهبِ والراهبةِ والشمّاس في سهراتِهم الإنجيليّةِ وفي أحاديثِهم الروحيّة، وللمؤمنِ لأجلِ بناء حياةٍ على أسسٍ مسيحيّةٍ راسخة
يحوي هذا الكتابُ "يشبهُ ملكوتُ السماوات" مجموعةً من القصص الصغيرة والخواطرِ الطريفةِ والحِكَمِ البليغةِ التي تتكلّم على الملكوتِ والحياةِ الأبديّةِ والدينونة. لم يدوَّنْ ليُقرأ دفعةً واحدة، عبرةٌ واحدة تكفي في اليوم
أخوتي القرّاء، خذوا وقتَكم في قراءَتِه لتفكِّروا في ما قرأتم، وتغذّوا منها نفوسَكم، وتسعوا في تطبيقِها في حياتِكم
الخوري أنطوان الدويهيّ
سرّ الملكوت
دخل يومًا محاربٌ جبّارٌ على أحدِ الرهبانِ النسّاك، وسألَه: "يا أبتاهُ، أودُّ أن أعرفَ شيئًا عن الجنّةِ والجحيم."
رفع الناسك ناظريه صَوبَ المحاربِ فوجدَهُ ضخمَ الجثّةِ، أشعثَ الشعرِ، طويلَ اللحية، فأجابَه بطريقةٍ وقحة منفرة: "أتريدني أن أعلّمَك شيئًا عن الجنّةِ والجحيم؟" سكت لحظة، ثمّ تابع: "لن أعلِّمَك شيئًا أبدًا. أنظرْ إلى نفسِك. لستَ سوى إنسانٍ بائس، تنبعثُ الرائحةُ الكريهةُ منكَ، أنظرْ إلى لحيتِك فأنتَ لم تحلقْ منذُ أمدٍ بعيد. أنتَ أنذلُ محاربٍ رأيتُه في حياتي، قمْ اخرُجْ حالاً من أمامي، فأنا لم أعدْ أحتملُ قذارتَك."
في هذه الأثناء، أخذ المحاربُ، شيئًا فشيئًا، يزدادُ غيظًا وحنقًا وقد احمرَّتْ وجنتاهُ وتورَّمَتْ رقبتُه من شدّة السخط، ولم يعدْ يعرفُ ماذا يقولُ أو ماذا يفعل، وراحَ يلعنُ ويشتمُ في حضرةِ الناسِك، وقد استلَّ سيفَهُ من غمدِه، وهمَّ بقتلِ الناسِك
عندئذٍ، أوقفه الناسِكُ بحركةٍ لطيفة من يدِه، وقد علَتْ على وجهِه ابتسامةُ الرضى وقال: "هذه جهنَّم."
انتبه المحاربُ لنفسه فعاد إلى صوابِه وأدرَكَ ماذا عنى الناسِكُ بكلامِه ورجع إلى هدوئِه وصفاءِ ذهنِه وأخذَ يفكِّرُ كيف يعرِّضُ الناسِكُ نفسَه لخطرِ الموتِ ليعلِّمَه معنى الجحيم والجنّةِ بطريقةٍ حسيَّةٍ وإن كانَتْ صعبةً وجسورة. ثمّ أعادَ المحاربُ سيفَه إلى غمدِه وهمَّ بالاعتذار عندما سمعَ صوتَ الناسِكِ يتابعُ قائلاً: "هذه الجنّة."
بتصرّفي أحيانًا كثيرة، أمثِّلُ حياةَ الجحيمِ وأحيانًا أخرى أمثِّلُ حياةَ الجنّة. فلنسعَ أن نجعلَ حياتَنا جنَّةً منذُ وجودِنا على الأرض، لتستمرَّ حياةُ الجنّةِ فينا بعد موتِنا