المقدِّمة
التقيتُ يومًا راهبًا من رفاقي الأوفياء، فسألني
ماذا تكتبُ في هذه الآونةِ الأخيرة؟
قصصًا وعبرًا من واقعِ الحياة ومن خيالِها، تصلحُ غذاءً للنفسِ يوازي في بعضِ الأحيان – إن صحَّ التعبير – لاهوتًا عميقًا ودسمًا
ألا يمكنُكَ أن تهيّئَ شيئًا خاصًّا بالرهبان؟ فهناك قصصٌ كثيرةٌ عنهم
اسمعْ هذه النادرة: بينما كان يجوبُ القدّيسُ أنطونيوس بلادَ أوروبّا، التقى بدربِه لصًّا دنيئًا قاتلاً راغبًا في الاستيلاء على أموالِه. ما إن اقتربَ من القدّيس حتّى ركعَ أمامَهُ القدّيسُ مُنحنيًا له. فتفاجأ اللصُّ وهمَّ بطعنِه بخنجرِه، قائلاً له: "أتسخرُ منّي"؟ فأجابه: "كلاّ، أنا لا أسخرُ من أحد، ولكنَّكَ أنت اللصَّ الحقيرَ سوف تغدو راهبًا لامعًا في هذه الحياة، وقدّيسًا في الأخرى". عندئذٍ تركه ومضى وهو يفكِّر فيما قالَهُ له الراهبُ القدّيس. وبعد فترةٍ ارتدَّ اللصُّ عن ضلالِه ودخلَ أحدَ الأديار وصارَ رئيسَ ديرٍ ومات برائحةِ القداسة
أرأيتَ؟ لا بدَّ أنَّك تعرفُ جمًّا من الأخبارِ الرهبانيَّة
لأجلِ كلمتِكَ أُلقي الشبكة"، عساها تُمسكُ صيدًا وفيرًا
* * *
قصصُ الرهبانِ تبدأُ ولا تنتهي. مهما كتبنا في هذا المجالِ يبقى هناك الكثيرُ من الرواياتِ والأخبارِ التي يتناقلُها الرهبانُ عن إخوانِهم وآبائِهم الروحيّين، نُسبَتْ إلى هذا القدّيس أو ذاك، أو إلى ذاك الراهبِ المتمرِّسِ أو ذلك الناسكِ الضليعِ في الحياةِ الروحيَّة، بعضُها أضحى عبرًا وأمثولاتٍ تصلحُ أن يُحتذى بها، وبعضُها الآخرُ، والحمدُ لله هو قليلُ، يدلُّ على ما يعيشُه قسمٌ من الرهبان من مكرٍ واحتيالٍ وحبٍّ للانتقام.
"لأجلِ كلمتِك..."، كتيِّبٌ آخرُ يُضافُ إلى سلسلةِ "وقالتِ الحكمة"، اغرِفْ منهُ شيئًا فشيئًا لتستطيعَ أن تتذوَّقَ طعمَ الحياةِ الرهبانيَّةِ الصافية. فالخمرةُ الجيِّدةُ تصلحُ أن تُشربَ رويدًا رويدًا، وعبَرُ الحياةِ لا يُعرَف طعمُها اللذيذُ إلاّ بالارتشاف منها شيئًا فشيئًا
الخوري أنطوان الدويهيّ
الجرادة
أقامَ رهبانٌ في ديرٍ وسَطَ الصحراء. وفي أحدِ الأيّام، أتى راهبٌ مبتدئٌ لاستشارةِ راهبٍ متقدِّمٍ في السنِّ، أمضى حياتَه في الصحراء شبهَ مُتنسِّك، بعيدًا عن إخوتِه الرهبان في قلاّية منزوية، فسألَه قائلاً:
إنَّ لي ما يقاربُ السنةَ في هذا الديرِ المنعزل، وكثيرًا ما يأتي الجرادُ ويتغلغلُ في كلِّ شيء، في أمتعتِنا، في ثيابِنا، لا بل في طعامِنا أيضًا ممّا يثيرُ فينا الاشمئزازَ والقرَف. فماذا كنتَ تفعل؟ بل ماذا تفعلُ الآنَ في وضعٍ كهذا؟
يا ولدي الحبيب، عانيتُ الأمرَّين من تلك الجرادِ التي تكتسحُنا معظمَ أيّامِ السنة
وكيف كنتَ تتصرَّف؟
في المرّات الأولى، عندما تسقطُ جرادةٌ في صحني، كنتُ أرمي الصحنَ كلَّه بما فيه من حساء وطعام. بعد مدَّة، صرتُ أنزعُ الجرادةَ من صحني وأشربُ الحساء. وفي فتراتٍ لاحقة، أخذتُ أشربُ الحساء مع الجرادة، إلى أن توصَّلتُ أن أمنعَ الجرادةَ من الخروجِ من الصحن. والآن، أنا أبحثُ عنها وألتقطُها وأرمي بها في صحني وألتهمُها مع الحساء
"ليس مَنْ يقولُ لي يا ربّ، يا ربّ، يدخلُ ملكوتَ السماوات،
بل مَنْ يعملُ مشيئة أبي الذي في السماء"
التقيتُ يومًا راهبًا من رفاقي الأوفياء، فسألني
ماذا تكتبُ في هذه الآونةِ الأخيرة؟
قصصًا وعبرًا من واقعِ الحياة ومن خيالِها، تصلحُ غذاءً للنفسِ يوازي في بعضِ الأحيان – إن صحَّ التعبير – لاهوتًا عميقًا ودسمًا
ألا يمكنُكَ أن تهيّئَ شيئًا خاصًّا بالرهبان؟ فهناك قصصٌ كثيرةٌ عنهم
اسمعْ هذه النادرة: بينما كان يجوبُ القدّيسُ أنطونيوس بلادَ أوروبّا، التقى بدربِه لصًّا دنيئًا قاتلاً راغبًا في الاستيلاء على أموالِه. ما إن اقتربَ من القدّيس حتّى ركعَ أمامَهُ القدّيسُ مُنحنيًا له. فتفاجأ اللصُّ وهمَّ بطعنِه بخنجرِه، قائلاً له: "أتسخرُ منّي"؟ فأجابه: "كلاّ، أنا لا أسخرُ من أحد، ولكنَّكَ أنت اللصَّ الحقيرَ سوف تغدو راهبًا لامعًا في هذه الحياة، وقدّيسًا في الأخرى". عندئذٍ تركه ومضى وهو يفكِّر فيما قالَهُ له الراهبُ القدّيس. وبعد فترةٍ ارتدَّ اللصُّ عن ضلالِه ودخلَ أحدَ الأديار وصارَ رئيسَ ديرٍ ومات برائحةِ القداسة
أرأيتَ؟ لا بدَّ أنَّك تعرفُ جمًّا من الأخبارِ الرهبانيَّة
لأجلِ كلمتِكَ أُلقي الشبكة"، عساها تُمسكُ صيدًا وفيرًا
* * *
قصصُ الرهبانِ تبدأُ ولا تنتهي. مهما كتبنا في هذا المجالِ يبقى هناك الكثيرُ من الرواياتِ والأخبارِ التي يتناقلُها الرهبانُ عن إخوانِهم وآبائِهم الروحيّين، نُسبَتْ إلى هذا القدّيس أو ذاك، أو إلى ذاك الراهبِ المتمرِّسِ أو ذلك الناسكِ الضليعِ في الحياةِ الروحيَّة، بعضُها أضحى عبرًا وأمثولاتٍ تصلحُ أن يُحتذى بها، وبعضُها الآخرُ، والحمدُ لله هو قليلُ، يدلُّ على ما يعيشُه قسمٌ من الرهبان من مكرٍ واحتيالٍ وحبٍّ للانتقام.
"لأجلِ كلمتِك..."، كتيِّبٌ آخرُ يُضافُ إلى سلسلةِ "وقالتِ الحكمة"، اغرِفْ منهُ شيئًا فشيئًا لتستطيعَ أن تتذوَّقَ طعمَ الحياةِ الرهبانيَّةِ الصافية. فالخمرةُ الجيِّدةُ تصلحُ أن تُشربَ رويدًا رويدًا، وعبَرُ الحياةِ لا يُعرَف طعمُها اللذيذُ إلاّ بالارتشاف منها شيئًا فشيئًا
الخوري أنطوان الدويهيّ
الجرادة
أقامَ رهبانٌ في ديرٍ وسَطَ الصحراء. وفي أحدِ الأيّام، أتى راهبٌ مبتدئٌ لاستشارةِ راهبٍ متقدِّمٍ في السنِّ، أمضى حياتَه في الصحراء شبهَ مُتنسِّك، بعيدًا عن إخوتِه الرهبان في قلاّية منزوية، فسألَه قائلاً:
إنَّ لي ما يقاربُ السنةَ في هذا الديرِ المنعزل، وكثيرًا ما يأتي الجرادُ ويتغلغلُ في كلِّ شيء، في أمتعتِنا، في ثيابِنا، لا بل في طعامِنا أيضًا ممّا يثيرُ فينا الاشمئزازَ والقرَف. فماذا كنتَ تفعل؟ بل ماذا تفعلُ الآنَ في وضعٍ كهذا؟
يا ولدي الحبيب، عانيتُ الأمرَّين من تلك الجرادِ التي تكتسحُنا معظمَ أيّامِ السنة
وكيف كنتَ تتصرَّف؟
في المرّات الأولى، عندما تسقطُ جرادةٌ في صحني، كنتُ أرمي الصحنَ كلَّه بما فيه من حساء وطعام. بعد مدَّة، صرتُ أنزعُ الجرادةَ من صحني وأشربُ الحساء. وفي فتراتٍ لاحقة، أخذتُ أشربُ الحساء مع الجرادة، إلى أن توصَّلتُ أن أمنعَ الجرادةَ من الخروجِ من الصحن. والآن، أنا أبحثُ عنها وألتقطُها وأرمي بها في صحني وألتهمُها مع الحساء
"ليس مَنْ يقولُ لي يا ربّ، يا ربّ، يدخلُ ملكوتَ السماوات،
بل مَنْ يعملُ مشيئة أبي الذي في السماء"