المقدِّمة
ابني الحبيب رامي
سنة مرَّت على وفاة أمِّك كرمل، والدمعة من عينك لم تجفَّ بعد، وكأنَّ الأيّام لن تعرفَ كيف تمسحُ الحزنَ عن قلبك والدمعة عن مقلتك
سنة مرَّت كيوم الأمس العابر، وما زال طيف كرمل يرفرف في أرجاء البيت، هنا كانت تعمل وهناك ترتاح، وهنالك تهتمُّ بكم، واحدًا واحدًا
سنة مرَّت وغيابُها حضور، وذكرها على لسانكم لا يعرف الراحة
أذكر كرمل المهمومة دومًا، زوجها يتعب ويشقى وأحيانًا كثيرة دون نتيجة تُذكر. تفكِّرُ بابنها البكر، زخيا، وهي تحاول أن تتَّكل عليه في أمور كثيرة. وتنظرُ إلى رامي الطالبِ الإكليريكيّ وتحلم هل ستراه يومًا يصعد درجات المذبح؟ وبنيامينُ الأسرة، روي، هو حصَّتها الكبرى، وهمُّها الأكبر، ما تراه يصبح عندما يكبرُ؟ وهو المحتاج إليها لعناية خاصَّة. وأذكرها أيضًا تلك المسلِّمة أمرها للربّ، في الألم وفي الشدَّة وفي الغيبوبة: "كما يريد الربّ، لتكن مشيئته!" أوكلت أمرها له ورحلت إليه لتعانقه
أعودُ بالذاكرة إلى أمٍّ رحلت منذ تسع سنوات، أمٍّ ضحَّت بحياتها في سبيل أولادها الخمسة بعد رحيل زوجها المبكر. تألَّمت كما لم يتألَّم إنسان وهي تردِّد: "ليكن اسم الربِّ مباركًا." حافظت على هدوئها وعلى رصانتها، وثبَّتت إيمانها بالله فلم تزعزعه الأمراض الفتّاكة التي راحت تحاربها بشدَّة. لفظت أنفاسها الأخيرة وهي تبتسم للمرض هازئة، وكأنَّها تقول: "انتصرتَ على جسدي ولكنَّك لم تستطع أن تغلبَ روحي. وها إنَّ حياتي تبدأ الآن مع الربِّ يسوع وتدوم إلى الأبد." كُتب لها كتابٌ وزِّع في أربعين رحيلها، أبكى كلَّ من قرأه
ابني الحبيب رامي
طلبتَ منِّي كتابًا عن القدِّيس نعمة الله الحردينيّ وهاك الكتاب ذكرٌ مؤبَّدٌ توزِّعه في الذكرى السنويَّة الأولى لرحيل أمِّك كرمل. وقدِّيس كفيفان هو شفيعُها في احتمال الألم، وشفيعها في الرحيل المبكر إلى دنيا البقاء، وشفيعها في "الشطارة" إذ عرفت على مثاله أن "تخلِّص نفسها" فربحت السماء مسكنًا أبديًّا. أتُرى الحياة بعدد السنين، أم بالتهيئة للملكوت؟ ففي أيّامٍ قليلة استطاعت كرمل أن تهيِّئ نفسها لهذا الملكوت. "فالأتقياء يجدون الراحة وإن ماتوا شبابًا" (حك 4: 7). وكرمل هي إنسان "رضي عنه الربُّ فأحبَّه، وكان يعيش بين شعب خاطئ فانتشله من بينهم، أخذه سريعًا لئلاَّ يُفسِدَ الشرُّ عقله ويستولي الباطل على نفسه”
وهذا الكتاب الهديَّة، هو خلاصة تأمُّل في حياة قدِّيس كفيفان، وعجائبه ومواقفه. وهو يضاف إلى سلسلة من رفاق سبقوه في الولادة والانتشار، يغرفُ منها القارئون عِبراتٍ لحياتهم ومسالكَ في طريقهم نحو العلاء. تُرى ما نفعُ الكتاب والقارئ لا يستفيد من مضمونه، علمًا وحياة
وأنتِ يا مريم، يا سيِّدة الكرمل، يا من يحجُّ إليكِ جمٌّ من الحجّاج، أميلي نظركِ إلى من حجَّت نحوك إلى السماء، ضمِّيها إلى صدرك، كوني أمًّا لأولادها الثلاثة ولا تدعي حزن الابتعاد يسيطر عليها، فهي ما فارقت إلاَّ لتصبح القريبة القريبة، وما رحلت إلاَّ لتبقى، "فذكرُ الصدِّيق يدوم إلى الأبد."
الخوري أنطوان الدويهيّ
الخاتمة
أمّي وقدِّيس كفيفان
قصَّة أمّي المرحومة كرمل مع "أبونا" نعمة الله طويلة
وهذه القصَّة الطويلة عرفتها منها شخصيًّا في آخر سنة من حياتها على هذه الأرض قبل انتقالها إلى الحياة مع يسوع
عشقتْ أمِّي هذا القدِّيس لأنَّه – وحسب ما كانت تخبرني – شفاها من المرض أوَّل ما أُصيبت به منذ 5 سنوات. ولكن ما نوع هذا الشفاء
علمت أمِّي أنَّها مريضة مرضًا عضالاً ولا أمل للشفاء منه إلاَّ بأعجوبة من لدن الله. فسلَّمت أمرها لقدِّيس كفيفان، ليلتمس الشفاء من الله إذا شاء، أو يمنحها القوَّة والشجاعة لتجابه المرض بروح إيمانيَّة وتحمُّل بطوليّ لمصابها. في مرحلة أولى شفيت شفاءً كاملاً، ولكنَّ المرض ما لبث أن عاد وكأنَّ "أبونا" نعمة الله يقول لها: شفيتُك فترة لتستطيعي أن تقفي بالقرب من زوجك وأولادك الثلاثة، ولكنَّ طرق الربِّ غيرُ طرق البشر، وعليك الآن أن تحملي الصليب وتسيري خلف يسوع."
وكلَّ مرَّة كانت تخبرني عن اختبارها مع "أبونا" نعمة الله كان يسحرني سلامها وابتسامتها التي لا تفارقني إلى الآن. وإكرامًا له كانت تضع صورته بالقرب من سريرها وبالقرب من أوجاعها وكأنَّها تقول له: "شفيتني في البداية والآن ساعدني على تطهير نفسي لأقف أمام يسوع، وأنت بقربي، ممجَّدة طاهرة."
نعم يا أمي... الآن أدركت ما معنى علاقتك بـ"بونا" نعمة الله
لا أخفي على أحد أنَّه كلَّما كنت أقعد بقربها على السرير وهي تتألم وتبكي صامتة، كان ينتابني شعور بالغضب وخيبة الأمل بالقدِّيس التي تعتبره أمِّي شفيعها الخاصّ. ولكن ومع مرور الوقت أدركت أنَّ أمَّي كانت تعيش شعورًا معاكسًا كلِّيًّا لما كنت أشعر به. أمِّي عرفت كيف تبني علاقة صادقة مع القدِّيس. عقلنا البشريُّ الضعيف ينظر بأمور الشفاء والطلب للشفاء بطريقة عاطفيَّة جدًّا، وهذا يبعدنا عن هدف الشفاء الأوَّل الذي ينبغي أن يطلبه الإنسان العاديّ وليس فقط الإنسان المريض وهو شفاء الروح... أمِّي كرمل اختارت الطريق الذي يشفيها روحيًّا لترث الحياة الأبديَّة، وأبونا نعمة الله كانت أعجوبته الكبرى هي مساعدة أمّي على الاستمرار في هذه الطريق فقوَّاها لتربح المعركة وها هي تدخل الحياة الأبديَّة منتصرة على ضعفها بإيمانٍ عميق وثقة بنويَّة نادرة
إذا أردتُ أن أتأمَّل وأستذكر المراحل التي اجتازتها أمِّي مع الألم بالتزامن مع العلاقة التي ربطتها بمار نعمة الله لا يسعني إلاَّ أن أسأل نفسي: أين أنا الإنسان المعافى الذي لا يعرف الألم الجسديَّ من علاقتي مع الله وقدِّيسيه؟ أليس من الأسهل أن أبني علاقة تقودني إلى القداسة أنا وصحَّتي جيِّدة من أن أبني علاقة وأنا على فراش الموت؟ ألم تكن أمِّي حتَّى في علاقتها مع القدِّيسين تعاني من كثرة جهادها
ولكنَّ الرجاء كان عنوان علاقتها مع "أبونا" نعمة الله، لأنَّها وثقت دائمًا في قدرته على شفائها وهذا يذكِّرني بمشهد المرأة النازفة التي حملت أوجاعها وجاهدت لكثرة رجائها بالمسيح لترث الشفاء الروحيّ.
نعم، يا أمِّي الحبيبة، يا مَن اجتاح المرض جسمها ولم تتذمَّر، علَّمتِني كيف أبني علاقتي بالسماء وبساكنيها لأربح الحياة الأبديَّة
نامي قريرةَ العين، فابنُك رامي مع أخويه وأبيه، يتَّخذونك شفيعة لهم في السماء، فعينيهم على تحمُّل ضعفهم فيُشفوا على مثالك من مرضهم الروحيّ، ويتقوَّى إيمانهم ليعيشوا وهم ملء الرجاء بالقيامة
ابنك رامي
ابني الحبيب رامي
سنة مرَّت على وفاة أمِّك كرمل، والدمعة من عينك لم تجفَّ بعد، وكأنَّ الأيّام لن تعرفَ كيف تمسحُ الحزنَ عن قلبك والدمعة عن مقلتك
سنة مرَّت كيوم الأمس العابر، وما زال طيف كرمل يرفرف في أرجاء البيت، هنا كانت تعمل وهناك ترتاح، وهنالك تهتمُّ بكم، واحدًا واحدًا
سنة مرَّت وغيابُها حضور، وذكرها على لسانكم لا يعرف الراحة
أذكر كرمل المهمومة دومًا، زوجها يتعب ويشقى وأحيانًا كثيرة دون نتيجة تُذكر. تفكِّرُ بابنها البكر، زخيا، وهي تحاول أن تتَّكل عليه في أمور كثيرة. وتنظرُ إلى رامي الطالبِ الإكليريكيّ وتحلم هل ستراه يومًا يصعد درجات المذبح؟ وبنيامينُ الأسرة، روي، هو حصَّتها الكبرى، وهمُّها الأكبر، ما تراه يصبح عندما يكبرُ؟ وهو المحتاج إليها لعناية خاصَّة. وأذكرها أيضًا تلك المسلِّمة أمرها للربّ، في الألم وفي الشدَّة وفي الغيبوبة: "كما يريد الربّ، لتكن مشيئته!" أوكلت أمرها له ورحلت إليه لتعانقه
أعودُ بالذاكرة إلى أمٍّ رحلت منذ تسع سنوات، أمٍّ ضحَّت بحياتها في سبيل أولادها الخمسة بعد رحيل زوجها المبكر. تألَّمت كما لم يتألَّم إنسان وهي تردِّد: "ليكن اسم الربِّ مباركًا." حافظت على هدوئها وعلى رصانتها، وثبَّتت إيمانها بالله فلم تزعزعه الأمراض الفتّاكة التي راحت تحاربها بشدَّة. لفظت أنفاسها الأخيرة وهي تبتسم للمرض هازئة، وكأنَّها تقول: "انتصرتَ على جسدي ولكنَّك لم تستطع أن تغلبَ روحي. وها إنَّ حياتي تبدأ الآن مع الربِّ يسوع وتدوم إلى الأبد." كُتب لها كتابٌ وزِّع في أربعين رحيلها، أبكى كلَّ من قرأه
ابني الحبيب رامي
طلبتَ منِّي كتابًا عن القدِّيس نعمة الله الحردينيّ وهاك الكتاب ذكرٌ مؤبَّدٌ توزِّعه في الذكرى السنويَّة الأولى لرحيل أمِّك كرمل. وقدِّيس كفيفان هو شفيعُها في احتمال الألم، وشفيعها في الرحيل المبكر إلى دنيا البقاء، وشفيعها في "الشطارة" إذ عرفت على مثاله أن "تخلِّص نفسها" فربحت السماء مسكنًا أبديًّا. أتُرى الحياة بعدد السنين، أم بالتهيئة للملكوت؟ ففي أيّامٍ قليلة استطاعت كرمل أن تهيِّئ نفسها لهذا الملكوت. "فالأتقياء يجدون الراحة وإن ماتوا شبابًا" (حك 4: 7). وكرمل هي إنسان "رضي عنه الربُّ فأحبَّه، وكان يعيش بين شعب خاطئ فانتشله من بينهم، أخذه سريعًا لئلاَّ يُفسِدَ الشرُّ عقله ويستولي الباطل على نفسه”
وهذا الكتاب الهديَّة، هو خلاصة تأمُّل في حياة قدِّيس كفيفان، وعجائبه ومواقفه. وهو يضاف إلى سلسلة من رفاق سبقوه في الولادة والانتشار، يغرفُ منها القارئون عِبراتٍ لحياتهم ومسالكَ في طريقهم نحو العلاء. تُرى ما نفعُ الكتاب والقارئ لا يستفيد من مضمونه، علمًا وحياة
وأنتِ يا مريم، يا سيِّدة الكرمل، يا من يحجُّ إليكِ جمٌّ من الحجّاج، أميلي نظركِ إلى من حجَّت نحوك إلى السماء، ضمِّيها إلى صدرك، كوني أمًّا لأولادها الثلاثة ولا تدعي حزن الابتعاد يسيطر عليها، فهي ما فارقت إلاَّ لتصبح القريبة القريبة، وما رحلت إلاَّ لتبقى، "فذكرُ الصدِّيق يدوم إلى الأبد."
الخوري أنطوان الدويهيّ
الخاتمة
أمّي وقدِّيس كفيفان
قصَّة أمّي المرحومة كرمل مع "أبونا" نعمة الله طويلة
وهذه القصَّة الطويلة عرفتها منها شخصيًّا في آخر سنة من حياتها على هذه الأرض قبل انتقالها إلى الحياة مع يسوع
عشقتْ أمِّي هذا القدِّيس لأنَّه – وحسب ما كانت تخبرني – شفاها من المرض أوَّل ما أُصيبت به منذ 5 سنوات. ولكن ما نوع هذا الشفاء
علمت أمِّي أنَّها مريضة مرضًا عضالاً ولا أمل للشفاء منه إلاَّ بأعجوبة من لدن الله. فسلَّمت أمرها لقدِّيس كفيفان، ليلتمس الشفاء من الله إذا شاء، أو يمنحها القوَّة والشجاعة لتجابه المرض بروح إيمانيَّة وتحمُّل بطوليّ لمصابها. في مرحلة أولى شفيت شفاءً كاملاً، ولكنَّ المرض ما لبث أن عاد وكأنَّ "أبونا" نعمة الله يقول لها: شفيتُك فترة لتستطيعي أن تقفي بالقرب من زوجك وأولادك الثلاثة، ولكنَّ طرق الربِّ غيرُ طرق البشر، وعليك الآن أن تحملي الصليب وتسيري خلف يسوع."
وكلَّ مرَّة كانت تخبرني عن اختبارها مع "أبونا" نعمة الله كان يسحرني سلامها وابتسامتها التي لا تفارقني إلى الآن. وإكرامًا له كانت تضع صورته بالقرب من سريرها وبالقرب من أوجاعها وكأنَّها تقول له: "شفيتني في البداية والآن ساعدني على تطهير نفسي لأقف أمام يسوع، وأنت بقربي، ممجَّدة طاهرة."
نعم يا أمي... الآن أدركت ما معنى علاقتك بـ"بونا" نعمة الله
لا أخفي على أحد أنَّه كلَّما كنت أقعد بقربها على السرير وهي تتألم وتبكي صامتة، كان ينتابني شعور بالغضب وخيبة الأمل بالقدِّيس التي تعتبره أمِّي شفيعها الخاصّ. ولكن ومع مرور الوقت أدركت أنَّ أمَّي كانت تعيش شعورًا معاكسًا كلِّيًّا لما كنت أشعر به. أمِّي عرفت كيف تبني علاقة صادقة مع القدِّيس. عقلنا البشريُّ الضعيف ينظر بأمور الشفاء والطلب للشفاء بطريقة عاطفيَّة جدًّا، وهذا يبعدنا عن هدف الشفاء الأوَّل الذي ينبغي أن يطلبه الإنسان العاديّ وليس فقط الإنسان المريض وهو شفاء الروح... أمِّي كرمل اختارت الطريق الذي يشفيها روحيًّا لترث الحياة الأبديَّة، وأبونا نعمة الله كانت أعجوبته الكبرى هي مساعدة أمّي على الاستمرار في هذه الطريق فقوَّاها لتربح المعركة وها هي تدخل الحياة الأبديَّة منتصرة على ضعفها بإيمانٍ عميق وثقة بنويَّة نادرة
إذا أردتُ أن أتأمَّل وأستذكر المراحل التي اجتازتها أمِّي مع الألم بالتزامن مع العلاقة التي ربطتها بمار نعمة الله لا يسعني إلاَّ أن أسأل نفسي: أين أنا الإنسان المعافى الذي لا يعرف الألم الجسديَّ من علاقتي مع الله وقدِّيسيه؟ أليس من الأسهل أن أبني علاقة تقودني إلى القداسة أنا وصحَّتي جيِّدة من أن أبني علاقة وأنا على فراش الموت؟ ألم تكن أمِّي حتَّى في علاقتها مع القدِّيسين تعاني من كثرة جهادها
ولكنَّ الرجاء كان عنوان علاقتها مع "أبونا" نعمة الله، لأنَّها وثقت دائمًا في قدرته على شفائها وهذا يذكِّرني بمشهد المرأة النازفة التي حملت أوجاعها وجاهدت لكثرة رجائها بالمسيح لترث الشفاء الروحيّ.
نعم، يا أمِّي الحبيبة، يا مَن اجتاح المرض جسمها ولم تتذمَّر، علَّمتِني كيف أبني علاقتي بالسماء وبساكنيها لأربح الحياة الأبديَّة
نامي قريرةَ العين، فابنُك رامي مع أخويه وأبيه، يتَّخذونك شفيعة لهم في السماء، فعينيهم على تحمُّل ضعفهم فيُشفوا على مثالك من مرضهم الروحيّ، ويتقوَّى إيمانهم ليعيشوا وهم ملء الرجاء بالقيامة
ابنك رامي