تقديم
الزهيرات، الزهرات الصغيرة، فنٌّ من التأليف يعود إلى ما كُتب عن القدِّيس فرنسيس الأسِّيزيّ. وتوالت "الزهيرات" مع البابا يوحنَّا الثالث والعشرين. لا زهرة كبيرة، بل زهرة صغيرة، نقطفها، نحملها، ننتعش برائحها. فالرسول قال لنا: "أنتم رائحة المسيح الطيِّبة". وأيُّ زهرة تفوق زهرة القدِّيسين وأولياء الله مثل البطريرك إسطفان الدويهيّ والطوباويِّ يعقوب الحدَّاد الكبّوشيِّ والخوري يوحنّا – ماري فيانِّيه، خوري آرس، الذي تعبق رائحته في العالم كلِّه بعد أن دعا البابا بنديكتُس السادس عشر الكنيسة كلَّها لأن تتذكَّره بعد مئة وخمسين سنة على موته
زهيرات. كلَّ يوم نقطف زهرة. هي لا تطلب العناء الكثير، ولكنَّها تعطِّر نهارنا كلَّه، بجمالها كما برائحتها. كذلك هذه المقاطع القصيرة، هذه الأخبار الموجزة نقرأها في دقيقة أو دقيقتين فترافقنا وما أجمل رفقتها! عندئذٍ تشبه النحلة التي تنتقل من زهرة إلى زهرة لكي تعطينا العسل، وأيُّ شيء أطيب من العسل!
زهيرات في البستان. وننتقل من حديقة إلى حديقة، وكلُّ حديقة لها خصوصيَّاتها. فما من قدِّيس يشبه قدِّيسًا، ولا نفس تقيَّة هي صورة طبق الأصل عن نفس تقيَّة أخرى. ففي كلِّ قدِّيس وفي كلِّ إنسان، رجلاً كان أو امرأة، يخلقُ الله الجديد، فلا نستطيع إلاَّ أن ندهش من عمل الله الذي لا حدود له، فنهتف: عجيب الله في قدِّيسيه. هي عجائب متواصلة ومعجزات نكتشفها، ولكنَّنا لا نريد أن نشبه معاصري يسوع الذين كانوا يتعجَّبون ممَّا يحصل أمامهم، وينتظرون أن يتعجَّبوا مرَّة أخرى. ولكن لا تبديل في حياتهم. لا تعلُّق بصاحب المعجزة الذي هو يسوع المسيح
أمّا نحن فحين ندخل حديقة من هذه الحدائق، ونقطف زهيراتها، لا بدَّ أن تتحوَّل حياتنا فنقتدي بهؤلاء "القدِّيسين" لأنَّهم اقتدوا بالمسيح. نتعلَّم الرحمة العمليَّة مع الطوباويِّ يعقوب الكبُّوشيّ، والخدمة المجرَّدة في الرعيَّة مثل خوري آرس، ونفتح طريقًا جديدة مع البطريرك الدويهيّ على مثال بولس الرسول الذي ما أراد أن يبني على أساس غيره. وأخيرًا مع هذه "الزهيرات" الرابعة نرافق القدِّيس منصور في قربه من الفقراء، والمعذَّبين على هذه الأرض. وننظر زهيرات وزهيرات، فندخل إلى حدائق الله التي هي أشبه بجنَّة الفردوس التي قال فيها سفر الرؤيا إنَّ "شجرة الحياة فيها تثمر اثنتي عشرة مرَّة، كلَّ شهر مرَّة، وتشفي بورقها الأمم"
فهلمُّوا إلى هذه الحديقة الجديدة نقطف زهيراتها، وإلى جنَّة ينبع الخير فيها من عرش الله والحمل
كفرحباب، في 9 شباط 2010
عيد مار مارون
الخوري بولس الفغالي
المقدِّمة
تحتفل الكنيسة هذه السنة، سنة الكهنوت المقدَّسة، ومن ضمن احتفالاتها العديدة، بذكرى مرور 350 سنة على وفاة القدِّيس منصور دي بول مؤسِّس جمعيَّة اللعازاريِّين وجمعيَّة راهبات المحبَّة. نتعرَّف إليه في هذه الصفحات القليلة ونكتشف حياة كاهن عمل في حقل الربِّ واستحقَّ أن يرث المُلك المعدَّ للأبرار والصدِّيقين منذ إنشاء العالم.
* * *
اقترح عليَّ كاهن صديق مخلص أن أكتب زهيرات مار منصور بعدما اكتشف الأعمال الرسوليَّة الضخمة التي قام بها القدِّيس منصور في حياته على هذه الأرض ولا يزال أريج عطرها يفوح إلى أيّامنا، ولاسيَّما أنَّ رفاتَ القدِّيس منصور يزورُ لبنان هذه السنة للتبرُّك به ولإعطاء دفقٍ جديد من الاندفاع والغيرة لدى راهباته ورهبانه وجمعيَّاته الإنسانيَّة.
بعدما تصفَّحت كتابين في اللغة العربيَّة حول سيرة هذا القدِّيس وأعماله، عدت إلى بعض المراجع الأجنبيَّة واكتشفت في القدِّيس منصور رجلاً قلَّ نظيره، عمل جاهدًا في إعلان شأن الفقير والمهمَّش والسجين واللقيط والمريض والمتروك واليتيم والضعيف والمُبعد والأمّيِّ والكافر وقليل الإيمان والجاحد والمنتسب إلى بدعة معيَّنة. وجد فيهم جميعًا صورة المسيح القائل: "كلَّما فعلتم هذه الأمور لأحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي فعلتموها" (مت 25: 40)، فراح يخدمهم جميعًا باندفاع وغيرة لا يعرفان الكلل والتعب.
بدأت أجمع المعلومات شيئًا فشيئًا إلى أن تكوَّنت لديَّ مجموعة كبيرة من الزهيرات التي تصلح أن تُدرج في كتاب خاصٍّ بها.
* * *
زهيرات مار منصور هو الكتاب الرابع من سلسلة "الزهيرات" التي تحوي أخبار وأقوال وأعمال وإنجازات وأعاجيب هذا أو ذاك من القدِّيسين الذين تركوا بصماتهم في عالمنا هذا. نعود إليها كلَّما أحسسنا بضعف أو تخاذل، وكلَّما انتابنا شعور بالإحباط أو اليأس.
يحوي هذا الكتاب زهيرات مميَّزة أنتجتها يدا القدِّيس منصور دي بول شفيع الأعمال الاجتماعيَّة في العالم كلِّه. أولى هذه الزهيرات هي القدِّيسة لويز دي ماريّاك، تليها القدِّيسة جان-أنتيد توريه مؤسِّسة راهبات المحبَّة – البزنسون. ثمَّ نضع سيرة القدِّيس الشهيد جان-غبريال بِربوار الذي استُشهد في الصين لأنَّه يبشِّرُ بالمسيح. بعده نلقي الضوء على سيرة القدِّيسة كاترين لابوريه والإيقونة العجائبيَّة، يليها الطوباويُّ أنطوان- فريديريك أوزانام، ونتوقَّف بين سير القدِّيسين، عند القدِّيسة برناديت سوبيرو التي ظهرت لها العذراء في مدينة لورد الفرنسيَّة. ليس هؤلاء القدِّيسون والقدِّيسات سوى عددٍ ضئيل بين مجموعة كبيرة من القدِّيسين الذين انتسبوا إلى جمعيّات القدِّيس منصور، ولمعوا في سماء العالم وكانوا ملح الأرض ونور العالم.
ثمَّ يأتي دور الجمعيَّات التي أنشأها وهي ما زالت إلى اليوم تشهد على روحانيَّة انبثقت من قلب المسيح مبشِّر الفقراء، وانسكبت في قلب راعي خنازير فقير هو القدِّيس منصور دي بولس وانزرعت في قلوب أعضاء جمعيَّاته التي أنشأها لتشهد على حضور المسيح وسط المجتمع المهمَّش والمحتاج. هي زهيرات تعطِّرُ الكونَ بأريج حبِّها وتفانيها وخدمتها.
ثمَّ ننتقل إلى بعضٍ من مواقف هذا القدِّيس المعجزة، ولا ننسى بعضًا من عجائبٍ أجراها الله بشفاعة صفيِّه القدّيس منصور دي بول. وأختم الكتاب بقول للقدِّيس منصور حول خدمة الفقراء.
إلى هذا الكتاب الجديد أدعوك، أخي القارئ، لتكتشف وجهًا لامعًا في سماء المسيحيَّة، بل في سماء العالم كلِّه. فهو نظيرُ تريزيا دي كلكوتّا، ويعقوب الكبُّوشيّ، وداميان دي فوستر، والأب بيير وغيرهم كثيرين، بل تقدَّمهم جميعًا في الخدمة الاجتماعيَّة الانسانيَّة التي ابتكرها وجعلها الهمَّ الأكبر في مسيرة حياته نحو القداسة.
نسأل الله أن يسكب في قلوب جمعيَّات القدِّيس منصور دي بول نعمَه الوافرة لتظلَّ شاهدة مدى العصور على محبَّة الله للإنسان، كلِّ إنسان، وكلِّ الإنسان، ولاسيَّما من هم بحاجة أكثر إلى رحمة الله وحنانه وغفرانه.
غباله، في 2 شباط 2010
عيد دخول المسيح إلى الهيكل
الخوري أنطوان الدويهيّ
الزهيرات، الزهرات الصغيرة، فنٌّ من التأليف يعود إلى ما كُتب عن القدِّيس فرنسيس الأسِّيزيّ. وتوالت "الزهيرات" مع البابا يوحنَّا الثالث والعشرين. لا زهرة كبيرة، بل زهرة صغيرة، نقطفها، نحملها، ننتعش برائحها. فالرسول قال لنا: "أنتم رائحة المسيح الطيِّبة". وأيُّ زهرة تفوق زهرة القدِّيسين وأولياء الله مثل البطريرك إسطفان الدويهيّ والطوباويِّ يعقوب الحدَّاد الكبّوشيِّ والخوري يوحنّا – ماري فيانِّيه، خوري آرس، الذي تعبق رائحته في العالم كلِّه بعد أن دعا البابا بنديكتُس السادس عشر الكنيسة كلَّها لأن تتذكَّره بعد مئة وخمسين سنة على موته
زهيرات. كلَّ يوم نقطف زهرة. هي لا تطلب العناء الكثير، ولكنَّها تعطِّر نهارنا كلَّه، بجمالها كما برائحتها. كذلك هذه المقاطع القصيرة، هذه الأخبار الموجزة نقرأها في دقيقة أو دقيقتين فترافقنا وما أجمل رفقتها! عندئذٍ تشبه النحلة التي تنتقل من زهرة إلى زهرة لكي تعطينا العسل، وأيُّ شيء أطيب من العسل!
زهيرات في البستان. وننتقل من حديقة إلى حديقة، وكلُّ حديقة لها خصوصيَّاتها. فما من قدِّيس يشبه قدِّيسًا، ولا نفس تقيَّة هي صورة طبق الأصل عن نفس تقيَّة أخرى. ففي كلِّ قدِّيس وفي كلِّ إنسان، رجلاً كان أو امرأة، يخلقُ الله الجديد، فلا نستطيع إلاَّ أن ندهش من عمل الله الذي لا حدود له، فنهتف: عجيب الله في قدِّيسيه. هي عجائب متواصلة ومعجزات نكتشفها، ولكنَّنا لا نريد أن نشبه معاصري يسوع الذين كانوا يتعجَّبون ممَّا يحصل أمامهم، وينتظرون أن يتعجَّبوا مرَّة أخرى. ولكن لا تبديل في حياتهم. لا تعلُّق بصاحب المعجزة الذي هو يسوع المسيح
أمّا نحن فحين ندخل حديقة من هذه الحدائق، ونقطف زهيراتها، لا بدَّ أن تتحوَّل حياتنا فنقتدي بهؤلاء "القدِّيسين" لأنَّهم اقتدوا بالمسيح. نتعلَّم الرحمة العمليَّة مع الطوباويِّ يعقوب الكبُّوشيّ، والخدمة المجرَّدة في الرعيَّة مثل خوري آرس، ونفتح طريقًا جديدة مع البطريرك الدويهيّ على مثال بولس الرسول الذي ما أراد أن يبني على أساس غيره. وأخيرًا مع هذه "الزهيرات" الرابعة نرافق القدِّيس منصور في قربه من الفقراء، والمعذَّبين على هذه الأرض. وننظر زهيرات وزهيرات، فندخل إلى حدائق الله التي هي أشبه بجنَّة الفردوس التي قال فيها سفر الرؤيا إنَّ "شجرة الحياة فيها تثمر اثنتي عشرة مرَّة، كلَّ شهر مرَّة، وتشفي بورقها الأمم"
فهلمُّوا إلى هذه الحديقة الجديدة نقطف زهيراتها، وإلى جنَّة ينبع الخير فيها من عرش الله والحمل
كفرحباب، في 9 شباط 2010
عيد مار مارون
الخوري بولس الفغالي
المقدِّمة
تحتفل الكنيسة هذه السنة، سنة الكهنوت المقدَّسة، ومن ضمن احتفالاتها العديدة، بذكرى مرور 350 سنة على وفاة القدِّيس منصور دي بول مؤسِّس جمعيَّة اللعازاريِّين وجمعيَّة راهبات المحبَّة. نتعرَّف إليه في هذه الصفحات القليلة ونكتشف حياة كاهن عمل في حقل الربِّ واستحقَّ أن يرث المُلك المعدَّ للأبرار والصدِّيقين منذ إنشاء العالم.
* * *
اقترح عليَّ كاهن صديق مخلص أن أكتب زهيرات مار منصور بعدما اكتشف الأعمال الرسوليَّة الضخمة التي قام بها القدِّيس منصور في حياته على هذه الأرض ولا يزال أريج عطرها يفوح إلى أيّامنا، ولاسيَّما أنَّ رفاتَ القدِّيس منصور يزورُ لبنان هذه السنة للتبرُّك به ولإعطاء دفقٍ جديد من الاندفاع والغيرة لدى راهباته ورهبانه وجمعيَّاته الإنسانيَّة.
بعدما تصفَّحت كتابين في اللغة العربيَّة حول سيرة هذا القدِّيس وأعماله، عدت إلى بعض المراجع الأجنبيَّة واكتشفت في القدِّيس منصور رجلاً قلَّ نظيره، عمل جاهدًا في إعلان شأن الفقير والمهمَّش والسجين واللقيط والمريض والمتروك واليتيم والضعيف والمُبعد والأمّيِّ والكافر وقليل الإيمان والجاحد والمنتسب إلى بدعة معيَّنة. وجد فيهم جميعًا صورة المسيح القائل: "كلَّما فعلتم هذه الأمور لأحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي فعلتموها" (مت 25: 40)، فراح يخدمهم جميعًا باندفاع وغيرة لا يعرفان الكلل والتعب.
بدأت أجمع المعلومات شيئًا فشيئًا إلى أن تكوَّنت لديَّ مجموعة كبيرة من الزهيرات التي تصلح أن تُدرج في كتاب خاصٍّ بها.
* * *
زهيرات مار منصور هو الكتاب الرابع من سلسلة "الزهيرات" التي تحوي أخبار وأقوال وأعمال وإنجازات وأعاجيب هذا أو ذاك من القدِّيسين الذين تركوا بصماتهم في عالمنا هذا. نعود إليها كلَّما أحسسنا بضعف أو تخاذل، وكلَّما انتابنا شعور بالإحباط أو اليأس.
يحوي هذا الكتاب زهيرات مميَّزة أنتجتها يدا القدِّيس منصور دي بول شفيع الأعمال الاجتماعيَّة في العالم كلِّه. أولى هذه الزهيرات هي القدِّيسة لويز دي ماريّاك، تليها القدِّيسة جان-أنتيد توريه مؤسِّسة راهبات المحبَّة – البزنسون. ثمَّ نضع سيرة القدِّيس الشهيد جان-غبريال بِربوار الذي استُشهد في الصين لأنَّه يبشِّرُ بالمسيح. بعده نلقي الضوء على سيرة القدِّيسة كاترين لابوريه والإيقونة العجائبيَّة، يليها الطوباويُّ أنطوان- فريديريك أوزانام، ونتوقَّف بين سير القدِّيسين، عند القدِّيسة برناديت سوبيرو التي ظهرت لها العذراء في مدينة لورد الفرنسيَّة. ليس هؤلاء القدِّيسون والقدِّيسات سوى عددٍ ضئيل بين مجموعة كبيرة من القدِّيسين الذين انتسبوا إلى جمعيّات القدِّيس منصور، ولمعوا في سماء العالم وكانوا ملح الأرض ونور العالم.
ثمَّ يأتي دور الجمعيَّات التي أنشأها وهي ما زالت إلى اليوم تشهد على روحانيَّة انبثقت من قلب المسيح مبشِّر الفقراء، وانسكبت في قلب راعي خنازير فقير هو القدِّيس منصور دي بولس وانزرعت في قلوب أعضاء جمعيَّاته التي أنشأها لتشهد على حضور المسيح وسط المجتمع المهمَّش والمحتاج. هي زهيرات تعطِّرُ الكونَ بأريج حبِّها وتفانيها وخدمتها.
ثمَّ ننتقل إلى بعضٍ من مواقف هذا القدِّيس المعجزة، ولا ننسى بعضًا من عجائبٍ أجراها الله بشفاعة صفيِّه القدّيس منصور دي بول. وأختم الكتاب بقول للقدِّيس منصور حول خدمة الفقراء.
إلى هذا الكتاب الجديد أدعوك، أخي القارئ، لتكتشف وجهًا لامعًا في سماء المسيحيَّة، بل في سماء العالم كلِّه. فهو نظيرُ تريزيا دي كلكوتّا، ويعقوب الكبُّوشيّ، وداميان دي فوستر، والأب بيير وغيرهم كثيرين، بل تقدَّمهم جميعًا في الخدمة الاجتماعيَّة الانسانيَّة التي ابتكرها وجعلها الهمَّ الأكبر في مسيرة حياته نحو القداسة.
نسأل الله أن يسكب في قلوب جمعيَّات القدِّيس منصور دي بول نعمَه الوافرة لتظلَّ شاهدة مدى العصور على محبَّة الله للإنسان، كلِّ إنسان، وكلِّ الإنسان، ولاسيَّما من هم بحاجة أكثر إلى رحمة الله وحنانه وغفرانه.
غباله، في 2 شباط 2010
عيد دخول المسيح إلى الهيكل
الخوري أنطوان الدويهيّ