تقديم
رفقا بنت حملايا وجربتا
إلى أقاصي الأرض
هذه الراهبة التي تقدَّست فقدَّست معها نساء لبنان. هذه الراهبة التي كسرت القاعدة وكان لا قدِّيس إلاَّ الراهب. هذه الراهبة التي لم يكن شيء يهيِّئها للقداسة. فلا والداها قدِّيسان على مثال والدَي تريزيا الطفل يسوع ولا لديها أقارب من الكهنة والراهبات. هذه الراهبة نبتت في أرضنا، في قرية صغيرة، اسمها حملايا. قرية شبيهة بالناصرة التي لم تُذكَر في العهد القديم، والتي لم تكن لتُعرَف لولا وجود العذراء فيها: "في الشهر السادس أُرسل الملاك جبرائيل من لدن الله إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة". واليوم صارت حملايا معروفة، لأنَّها أثمرت لنا قدِّيسة وصل أريج عطرها إلى أقاصي الأرض. وكذلك بقاعكفرا انتشر اسمها إلى البلدان العديدة وصولاً إلى أفريقيا وأميركا الجنوبيَّة
وُلدت راهبتنا يوم عيد القدِّيسين بطرس وبولس. دُعيَت بطرسيَّة نسبة إلى بطرس. هل تعرفون أنَّ ابنة بطرس كانت اسمها "بترونيلَّة" أي بطرسيَّة أو ابنة بطرس الصغيرة؟ أرادت أن تكون صغيرة بحيث لا يعرف بها أحد. اختفت من خدمة إلى خدمة. من دير غزير حيث جُعل لها تمثال، حيث عملت في المطبخ مع أخيّاتها، إلى دير القمر وجبيل وبيت شباب وأخيرًا إلى معاد حيث عُرض عليها أن تبقى هناك لقاء أجر محترَم
هي الخادمة وهذا أكبر شرف لها على مثال مريم التي أعلنها الربُّ والدة ابنه فدعت نفسها خادمة الربّ. وهتفت: "ليكن لي بحسب قولك". يا ليت هذه الفتاة دوَّنت مذكَّراتها لكي نتعلَّم منها الكثير. فلو فعلت كان لنا مثل قصَّة نفس لتريزيا الطفل يسوع. ولكن ما لم تكتبه في حياتها على الأرض ها هي تكتبه وهي في السماء. تكتبه صحَّة وعافية للجسد، عودة إلى الربِّ واهتداء للنفوس التي تأتي إلى جربتا، تلك القرية المعمورة هي أيضًا، التي شابهت التلَّة التي أقام عليها يعقوب القورشيّ، أحد تلامذة مار مارون: كانت مليئة بالماعز فامتلأت بالبشر الآتين للتبرُّك بهذه القداسة. هناك أناس يكبرون لأنَّهم أبناء هذا البلد أو ذاك، أمّا القدِّيسة رفقة فهي التي جعلت جربتا معروفة ومعها الراهبات اللبنانيّات. ومع القدِّيس نعمة الله الحردينيّ فتحت طريق القداسة في بلاد البترون: من كفيفان مع القدِّيس نعمة الله إلى جربتا مع رفقة، إلى عنَّايا في بلاد جبيل، بانتظار الحلقة الآتية، لحفد مع الأخ إسطفان نعمة
رفقة "الخادمة" التي لم يعرفها أحدٌ في حياتها، صارت معروفة في كلِّ مكان بعد وفاتها. هي "حيَّة" وإن دُوِّن في سجل الدير أنَّها ماتت في صباح 23 آذار 1914 بعد أن نالت الزاد الأخير ومسحة المرضى. هذا كلام بشريٌّ وهنا نفهم كلام بولس الرسول عن يسوع المسيح: هو بكر الراقدين. لا يمكن أن يكون قبره كسائر القبور. الحجر الكبير دُحرج. موضع الظلمة صار موضع النور، وحيث يكون الموت هناك انفجرت الحياة. إذا كانت الباكورة مقدَّسة فالذي يأتي بعدها يكون مقدَّسًا. مار شربل أضاء قبرُه. والقدِّيسة رفقة أضاء قبرها، وهي معروفة كقدِّيسة منذ عشرات السنين وقبل أن تعلنها الكنيسة، فكان المؤمنون يصعدون في الوادي الذي صار "طريقًا مقدَّسًا" ليصلوا إلى قدِّيستهم. وينالون النعم العديدة. لا، القدِّيس لا يموت، القدِّيسة لا تموت. انتقلت من الموت إلى الحياة، كما قال الربُّ في الإنجيل، وهي تدعونا لأن نموت يومًا بعد يوم عمّا يعيق مسيرتنا إلى القداسة، إلى الحياة مع الربِّ منذ الآن دون أن ننتظر ساعة موتنا
القدِّيسة رفقة لم تمُت كما يموت كلُّ إنسان. بل هي حيَّة الآن. وإذا أردتم أن تعرفوا ما تعمل بقدرة الله، اقرأوا هذا الكتيِّب الذي هو ومضات من حياتها بعد وفاتها، كما نقول. كان شعارها شعار مريم التي تخدَّثت عن نفسها: خادمة الله الوضيعة. تلك التي لا يعرفها أحد. والتي لا تريد أن تعرف إلاَّ ابنها يسوع فتكون له التلميذة الأولى بعد أن صارت أمَّه فهتفت: تعظِّم نفسي الربَّ وتبتهج روحي بالله مخلِّصي لأنَّه صنع بي عظائم، صنع بي أعمالاً عظيمة لا تزال الأجيال تتحدَّث عنها. ورفقة فرحت بأن تكون الخادمة على مثال أمِّ الله وأمِّنا. وهي أيضًا في عمق حياتها التي بقيَتْ سرًّا على أخيّاتها، ما أرادت أن تعرف سوى يسوع وإيّاه مصلوبًا. رافقته في الخدمة وهو الذي قال: ما جئتُ لأخُدَم بل لأخدُم. غسلت الأقدام كما فعل يسوع، أحبَّت كما أحبَّ يسوع. ولهذا طلبت أن تشارك يسوع في حمل الصليب لكي تطبِّق ما قاله القدِّيس بولس في هذا المجال: "أكمِّل في جسدي ما ينقص من آلام المسيح من أجل جسده الذي هو الكنيسة. فالمسيح ترك لنا موضعًا قرب الصليب. إن أخذناه اجتذبَنا إليه حين يرتفع. وإن نظرنا من بعيد نبقى كما نحن، نتفرَّج عليه من بعيد مثل بعض التلاميذ، أو نشفق عليه مثل النساء اللواتي كنَّ عند الصليب. أمّا رفقة فلم ترضَ بهذا الموقف. بل اقتربت من الصليب، عانقته، فكانت التلميذة الحبيبة بجانب التلميذ الحبيب وبجانب أمِّ يسوع التي نفذ في قلبها سيف الحزن
وهكذا رافقت رفقة يسوع منذ ولادته الوضيعة وحياته في الناصرة فوصلت معه إلى الصليب بفرح لا يضاهيه فرح بالرغم من الآلام التي تحمَّلت: "إن متنا معه نحيا معه. هي ماتت مع يسوع وهي حيَّة معه، فكما كان يسوع "الحمل الذبيح والقائم من الموت" كما يقول سفر الرؤيا، أرادت رفقة أن تقول مع الرسول: "أمّا أنا فذبيحة يراق دمها. جاهدت الجهاد الحسن وها وقت انتقالي من هذا العالم حضر. واستطاعت هذه القدِّيسة أن تقول أيضًا: حياتي هي المسيح والموتُ ربحٌ لي. ربحتَ هي السعادة مع الربّ، وربح المؤمنون ولا يزالون ينعمون بمطر من البركات لا ينقطع. فماذا ننتظر لنفتح أيدينا، لنفتح قلوبنا، لنفعل مثل العبرانيِّين في البرِّيَّة، نلتقط منَّة الله وعطاياه كلَّ يوم من السماء
الخوري بولس الفغالي
المقدِّمة
حين أردتُ كتابة زهيرات القدّيسة رفقا، سلَّمتُ أمري لها فوجدتُ الأبواب مشرَّعة أمامي. فالقدّيسة رفقا التي تسعف كلَّ سائل، أعانتني في عملي هذا، ورافقتني خطوة خطوة لأنتهي منه سريعًا، بعدما هيَّأتْ لي جوًّا روحيًّا رائعًا، إن في ديرها دير مار يوسف – جربتا، وإن في "قلاّيتي" في رعيَّة غباله
في ديرها وجدتُ الاستضافة الكريمة من راهبات يحملن سمات القدّيسة رفقا، ويعشن من حضورها الدائم بجوارهنَّ وروحانيَّتها المخيِّمة عليهنَّ، بعدما وضعن، شاكرات، في تصرُّفي سجلَّ عجائبها الذي يحوي بضخامته، غيضًا من فيض ما أجراه الله بشفاعتها المقبولة
وفي "قلاّيتي" وجدتُ الزمنَ مؤاتيًا، فما أعاقني موعدٌ ولا طرق بابي زائر إلاَّ في ما نزر
فأتممتُ مهمَّتي بجوٍّ من الوحدة والروحانيَّة. وإن كان هناك من رفيق، فالقدّيسة رفقا رافقتني سطرًا بعد سطر مع شهود عديدين تنوَّعت شهادتهم بتنوُّع أمراضهم وكيفيَّة حصولهم على نعمة الشفاء منها
وها أنا أقدِّم لك حصيلة "تأمُّلي"، أخي القارئ، بعد أقلَّ من أسبوع واحد على البدء بتدوينها
* * *
زهيرات القدّيسة رفقا هو كتاب جديد يُضاف إلى كتب أربعة من السلسلة ذاتها. كلُّ كتاب يحملُ التمجيدَ لله القادر على كلِّ شيء، والتكريم البسيط لقدّيس ما زال، من سمائه، يفيضُ من نعمِ خالقه على سائليه. وهذه الزهيرات، بعد سيرةالقدّيسة رفقا، تحوي شهادات شفاء أجراها الله بوساطة القدّيسة رفقا وشفاعتها المقبولة دومًا عنده. وهذه الشهادات تعود إلى السنتين المنصرمتين 2008 و2009 وهي تُنشَر للمرَّة الأولى، بدءًا بآخر أعجوبة حصلت (في أوَّل كانون الأوَّل 2009) وصولاً إلى أوَّل أعجوبة دوِّنت خلال هاتين السنتين. بعض هذه الأعاجيب مدعومة بتقرير طبيّ وبعضها الآخر، تبقى صحَّتها منوطةً بحكم الكنيسة وبصدق الشاهد وبثقة القارئ
دُوِّنت هذه الأعاجيب في سجلِّ خاصٍّ بها، سجلّ الأشفية والنِّعم[1]، دعوتُه سجلّ العجائب. بعضها مكتوب بلغة ركيكة، وبعضها الآخر بلغة أجنبيَّة. حاولت أن أحافظ على الشهادة كما هي مع تصحيح لغويٍّ بسيط. وضعتُ في بداية كلِّ شهادة تاريخها، وفي ختامها الصفحةَ التي أُدرجتْ فيها الشهادةُ في سجلِّ الأشفية والنِّعم
* * *
الآية أو الأعجوبة هي حدث خارق يمنحه الله لأتقيائه، رحمة بهم وتمجيدًا لاسمه القدّوس. تحنَّن يسوع على أرملة مدينة نائين، فأقام لها ابنها الوحيد من الموت وسلَّمه لها دون أن يسأله أحدٌ إحياء. كما أشفق على جموع غفيرة أتت تسمع كلامه، ورفض أن يصرفها قبل أن يعطيها شيئًا تأكله لئلاَّ تخور قواها في طريق العودة. بعضُ الآيات حاول فيها المريض أن "يسرق" نعمةً من الربِّ بلمس طرح ردائه، كما حصل لتلك المرأة النازفة (لو 8: 42ب-48). ولكنَّ القسم الأكبر من العجائب تمَّت بالتماس مباشر من المريض وبكلمة من فم الربّ أو بلمسة من يده الطاهرة
وما زال الربُّ يعملُ اليوم بواسطة قدّيسيه الذين هم اليد اليمنى له، يعملون إرادته القدّوسة في السماء كما التزموا بها في حياتهم على هذه الأرض. فهم جميعًا ينتمون إلى جسده السرّيّ، ويؤلِّفون مع المؤمنين جميعًا هذا الجسد المقدَّس. ويبقى يسوع هو الرأس الذي يجمع الكلَّ في شخصه القدّوس. فأيُّ عضو في هذا الجسد يتصرَّفُ بما يمليه عليه الرأس. وكلُّ عملٍ يقومُ به عضو، هو تتميم لإرادة هذا الرأس. فإن كُرِّم عضو تَكرَّمُ الرأسُ وتمجَّد، وإن احتُقر عضو، أصابَ الرأسَ حزنٌ. والآية أو الأعجوبة، إن نُسبت إلى هذا العضو أو ذاك، يبقى الرأس هو الذي أمر بها والذي اجترحها. فالعضو يأخذ دور الوسيط أو الشفيع إذ بواسطته تتمُّ الأعجوبة
فإن قيل إنَّ القدّيسة رفقا شفت مريضًا، يعني أنَّ الله هو الذي أجرى هذا الشفاء بواسطتها. وفي هذا القول لا انتقاص لله، ولا إعطاءُ القدّيسة رفقا عملاً، ما قامت به
هلمَّ معًا نغرف من مَعين رفقا، شهاداتٍ حقَّة لزهيرات أجراها الله بشفاعتها. فلها الإكرام ولله المجدُ إلى الأبد. آمين
الخوري أنطوان الدويهيّ
رفقا بنت حملايا وجربتا
إلى أقاصي الأرض
هذه الراهبة التي تقدَّست فقدَّست معها نساء لبنان. هذه الراهبة التي كسرت القاعدة وكان لا قدِّيس إلاَّ الراهب. هذه الراهبة التي لم يكن شيء يهيِّئها للقداسة. فلا والداها قدِّيسان على مثال والدَي تريزيا الطفل يسوع ولا لديها أقارب من الكهنة والراهبات. هذه الراهبة نبتت في أرضنا، في قرية صغيرة، اسمها حملايا. قرية شبيهة بالناصرة التي لم تُذكَر في العهد القديم، والتي لم تكن لتُعرَف لولا وجود العذراء فيها: "في الشهر السادس أُرسل الملاك جبرائيل من لدن الله إلى مدينة في الجليل اسمها الناصرة". واليوم صارت حملايا معروفة، لأنَّها أثمرت لنا قدِّيسة وصل أريج عطرها إلى أقاصي الأرض. وكذلك بقاعكفرا انتشر اسمها إلى البلدان العديدة وصولاً إلى أفريقيا وأميركا الجنوبيَّة
وُلدت راهبتنا يوم عيد القدِّيسين بطرس وبولس. دُعيَت بطرسيَّة نسبة إلى بطرس. هل تعرفون أنَّ ابنة بطرس كانت اسمها "بترونيلَّة" أي بطرسيَّة أو ابنة بطرس الصغيرة؟ أرادت أن تكون صغيرة بحيث لا يعرف بها أحد. اختفت من خدمة إلى خدمة. من دير غزير حيث جُعل لها تمثال، حيث عملت في المطبخ مع أخيّاتها، إلى دير القمر وجبيل وبيت شباب وأخيرًا إلى معاد حيث عُرض عليها أن تبقى هناك لقاء أجر محترَم
هي الخادمة وهذا أكبر شرف لها على مثال مريم التي أعلنها الربُّ والدة ابنه فدعت نفسها خادمة الربّ. وهتفت: "ليكن لي بحسب قولك". يا ليت هذه الفتاة دوَّنت مذكَّراتها لكي نتعلَّم منها الكثير. فلو فعلت كان لنا مثل قصَّة نفس لتريزيا الطفل يسوع. ولكن ما لم تكتبه في حياتها على الأرض ها هي تكتبه وهي في السماء. تكتبه صحَّة وعافية للجسد، عودة إلى الربِّ واهتداء للنفوس التي تأتي إلى جربتا، تلك القرية المعمورة هي أيضًا، التي شابهت التلَّة التي أقام عليها يعقوب القورشيّ، أحد تلامذة مار مارون: كانت مليئة بالماعز فامتلأت بالبشر الآتين للتبرُّك بهذه القداسة. هناك أناس يكبرون لأنَّهم أبناء هذا البلد أو ذاك، أمّا القدِّيسة رفقة فهي التي جعلت جربتا معروفة ومعها الراهبات اللبنانيّات. ومع القدِّيس نعمة الله الحردينيّ فتحت طريق القداسة في بلاد البترون: من كفيفان مع القدِّيس نعمة الله إلى جربتا مع رفقة، إلى عنَّايا في بلاد جبيل، بانتظار الحلقة الآتية، لحفد مع الأخ إسطفان نعمة
رفقة "الخادمة" التي لم يعرفها أحدٌ في حياتها، صارت معروفة في كلِّ مكان بعد وفاتها. هي "حيَّة" وإن دُوِّن في سجل الدير أنَّها ماتت في صباح 23 آذار 1914 بعد أن نالت الزاد الأخير ومسحة المرضى. هذا كلام بشريٌّ وهنا نفهم كلام بولس الرسول عن يسوع المسيح: هو بكر الراقدين. لا يمكن أن يكون قبره كسائر القبور. الحجر الكبير دُحرج. موضع الظلمة صار موضع النور، وحيث يكون الموت هناك انفجرت الحياة. إذا كانت الباكورة مقدَّسة فالذي يأتي بعدها يكون مقدَّسًا. مار شربل أضاء قبرُه. والقدِّيسة رفقة أضاء قبرها، وهي معروفة كقدِّيسة منذ عشرات السنين وقبل أن تعلنها الكنيسة، فكان المؤمنون يصعدون في الوادي الذي صار "طريقًا مقدَّسًا" ليصلوا إلى قدِّيستهم. وينالون النعم العديدة. لا، القدِّيس لا يموت، القدِّيسة لا تموت. انتقلت من الموت إلى الحياة، كما قال الربُّ في الإنجيل، وهي تدعونا لأن نموت يومًا بعد يوم عمّا يعيق مسيرتنا إلى القداسة، إلى الحياة مع الربِّ منذ الآن دون أن ننتظر ساعة موتنا
القدِّيسة رفقة لم تمُت كما يموت كلُّ إنسان. بل هي حيَّة الآن. وإذا أردتم أن تعرفوا ما تعمل بقدرة الله، اقرأوا هذا الكتيِّب الذي هو ومضات من حياتها بعد وفاتها، كما نقول. كان شعارها شعار مريم التي تخدَّثت عن نفسها: خادمة الله الوضيعة. تلك التي لا يعرفها أحد. والتي لا تريد أن تعرف إلاَّ ابنها يسوع فتكون له التلميذة الأولى بعد أن صارت أمَّه فهتفت: تعظِّم نفسي الربَّ وتبتهج روحي بالله مخلِّصي لأنَّه صنع بي عظائم، صنع بي أعمالاً عظيمة لا تزال الأجيال تتحدَّث عنها. ورفقة فرحت بأن تكون الخادمة على مثال أمِّ الله وأمِّنا. وهي أيضًا في عمق حياتها التي بقيَتْ سرًّا على أخيّاتها، ما أرادت أن تعرف سوى يسوع وإيّاه مصلوبًا. رافقته في الخدمة وهو الذي قال: ما جئتُ لأخُدَم بل لأخدُم. غسلت الأقدام كما فعل يسوع، أحبَّت كما أحبَّ يسوع. ولهذا طلبت أن تشارك يسوع في حمل الصليب لكي تطبِّق ما قاله القدِّيس بولس في هذا المجال: "أكمِّل في جسدي ما ينقص من آلام المسيح من أجل جسده الذي هو الكنيسة. فالمسيح ترك لنا موضعًا قرب الصليب. إن أخذناه اجتذبَنا إليه حين يرتفع. وإن نظرنا من بعيد نبقى كما نحن، نتفرَّج عليه من بعيد مثل بعض التلاميذ، أو نشفق عليه مثل النساء اللواتي كنَّ عند الصليب. أمّا رفقة فلم ترضَ بهذا الموقف. بل اقتربت من الصليب، عانقته، فكانت التلميذة الحبيبة بجانب التلميذ الحبيب وبجانب أمِّ يسوع التي نفذ في قلبها سيف الحزن
وهكذا رافقت رفقة يسوع منذ ولادته الوضيعة وحياته في الناصرة فوصلت معه إلى الصليب بفرح لا يضاهيه فرح بالرغم من الآلام التي تحمَّلت: "إن متنا معه نحيا معه. هي ماتت مع يسوع وهي حيَّة معه، فكما كان يسوع "الحمل الذبيح والقائم من الموت" كما يقول سفر الرؤيا، أرادت رفقة أن تقول مع الرسول: "أمّا أنا فذبيحة يراق دمها. جاهدت الجهاد الحسن وها وقت انتقالي من هذا العالم حضر. واستطاعت هذه القدِّيسة أن تقول أيضًا: حياتي هي المسيح والموتُ ربحٌ لي. ربحتَ هي السعادة مع الربّ، وربح المؤمنون ولا يزالون ينعمون بمطر من البركات لا ينقطع. فماذا ننتظر لنفتح أيدينا، لنفتح قلوبنا، لنفعل مثل العبرانيِّين في البرِّيَّة، نلتقط منَّة الله وعطاياه كلَّ يوم من السماء
الخوري بولس الفغالي
المقدِّمة
حين أردتُ كتابة زهيرات القدّيسة رفقا، سلَّمتُ أمري لها فوجدتُ الأبواب مشرَّعة أمامي. فالقدّيسة رفقا التي تسعف كلَّ سائل، أعانتني في عملي هذا، ورافقتني خطوة خطوة لأنتهي منه سريعًا، بعدما هيَّأتْ لي جوًّا روحيًّا رائعًا، إن في ديرها دير مار يوسف – جربتا، وإن في "قلاّيتي" في رعيَّة غباله
في ديرها وجدتُ الاستضافة الكريمة من راهبات يحملن سمات القدّيسة رفقا، ويعشن من حضورها الدائم بجوارهنَّ وروحانيَّتها المخيِّمة عليهنَّ، بعدما وضعن، شاكرات، في تصرُّفي سجلَّ عجائبها الذي يحوي بضخامته، غيضًا من فيض ما أجراه الله بشفاعتها المقبولة
وفي "قلاّيتي" وجدتُ الزمنَ مؤاتيًا، فما أعاقني موعدٌ ولا طرق بابي زائر إلاَّ في ما نزر
فأتممتُ مهمَّتي بجوٍّ من الوحدة والروحانيَّة. وإن كان هناك من رفيق، فالقدّيسة رفقا رافقتني سطرًا بعد سطر مع شهود عديدين تنوَّعت شهادتهم بتنوُّع أمراضهم وكيفيَّة حصولهم على نعمة الشفاء منها
وها أنا أقدِّم لك حصيلة "تأمُّلي"، أخي القارئ، بعد أقلَّ من أسبوع واحد على البدء بتدوينها
* * *
زهيرات القدّيسة رفقا هو كتاب جديد يُضاف إلى كتب أربعة من السلسلة ذاتها. كلُّ كتاب يحملُ التمجيدَ لله القادر على كلِّ شيء، والتكريم البسيط لقدّيس ما زال، من سمائه، يفيضُ من نعمِ خالقه على سائليه. وهذه الزهيرات، بعد سيرةالقدّيسة رفقا، تحوي شهادات شفاء أجراها الله بوساطة القدّيسة رفقا وشفاعتها المقبولة دومًا عنده. وهذه الشهادات تعود إلى السنتين المنصرمتين 2008 و2009 وهي تُنشَر للمرَّة الأولى، بدءًا بآخر أعجوبة حصلت (في أوَّل كانون الأوَّل 2009) وصولاً إلى أوَّل أعجوبة دوِّنت خلال هاتين السنتين. بعض هذه الأعاجيب مدعومة بتقرير طبيّ وبعضها الآخر، تبقى صحَّتها منوطةً بحكم الكنيسة وبصدق الشاهد وبثقة القارئ
دُوِّنت هذه الأعاجيب في سجلِّ خاصٍّ بها، سجلّ الأشفية والنِّعم[1]، دعوتُه سجلّ العجائب. بعضها مكتوب بلغة ركيكة، وبعضها الآخر بلغة أجنبيَّة. حاولت أن أحافظ على الشهادة كما هي مع تصحيح لغويٍّ بسيط. وضعتُ في بداية كلِّ شهادة تاريخها، وفي ختامها الصفحةَ التي أُدرجتْ فيها الشهادةُ في سجلِّ الأشفية والنِّعم
* * *
الآية أو الأعجوبة هي حدث خارق يمنحه الله لأتقيائه، رحمة بهم وتمجيدًا لاسمه القدّوس. تحنَّن يسوع على أرملة مدينة نائين، فأقام لها ابنها الوحيد من الموت وسلَّمه لها دون أن يسأله أحدٌ إحياء. كما أشفق على جموع غفيرة أتت تسمع كلامه، ورفض أن يصرفها قبل أن يعطيها شيئًا تأكله لئلاَّ تخور قواها في طريق العودة. بعضُ الآيات حاول فيها المريض أن "يسرق" نعمةً من الربِّ بلمس طرح ردائه، كما حصل لتلك المرأة النازفة (لو 8: 42ب-48). ولكنَّ القسم الأكبر من العجائب تمَّت بالتماس مباشر من المريض وبكلمة من فم الربّ أو بلمسة من يده الطاهرة
وما زال الربُّ يعملُ اليوم بواسطة قدّيسيه الذين هم اليد اليمنى له، يعملون إرادته القدّوسة في السماء كما التزموا بها في حياتهم على هذه الأرض. فهم جميعًا ينتمون إلى جسده السرّيّ، ويؤلِّفون مع المؤمنين جميعًا هذا الجسد المقدَّس. ويبقى يسوع هو الرأس الذي يجمع الكلَّ في شخصه القدّوس. فأيُّ عضو في هذا الجسد يتصرَّفُ بما يمليه عليه الرأس. وكلُّ عملٍ يقومُ به عضو، هو تتميم لإرادة هذا الرأس. فإن كُرِّم عضو تَكرَّمُ الرأسُ وتمجَّد، وإن احتُقر عضو، أصابَ الرأسَ حزنٌ. والآية أو الأعجوبة، إن نُسبت إلى هذا العضو أو ذاك، يبقى الرأس هو الذي أمر بها والذي اجترحها. فالعضو يأخذ دور الوسيط أو الشفيع إذ بواسطته تتمُّ الأعجوبة
فإن قيل إنَّ القدّيسة رفقا شفت مريضًا، يعني أنَّ الله هو الذي أجرى هذا الشفاء بواسطتها. وفي هذا القول لا انتقاص لله، ولا إعطاءُ القدّيسة رفقا عملاً، ما قامت به
هلمَّ معًا نغرف من مَعين رفقا، شهاداتٍ حقَّة لزهيرات أجراها الله بشفاعتها. فلها الإكرام ولله المجدُ إلى الأبد. آمين
الخوري أنطوان الدويهيّ