المقدِّمة
حين بدأت بتدوين الكتاب الأوَّل من هذه السلسلة زهيرات بونا يعقوب، شعرتُ أنَّني أدوِّنَ سيرة كاهن قريب منّي، هو جاري وابن بلدتي غزير. رقص قلبي فرحًا وتهلَّل لإعلانه طوباويًّا، فراح قلمي يخطُّ – بل بالأحرى راحت يداي تضربان على الآلة – بكلِّ اندفاع وحماس راغبًا في صدور الكتاب في أسرع وقت ممكن، ليكون في متناول أبناء بلدتي وأبناء وطني الأحبّاء
وها أنا أنتقل في هذا الكتاب الجديد من هذه السلسلة إلى وجه آخر، أنتمي إلى أسرته العريقة، التي أعطت الكنيسة والوطن رجالات عظامًا، سطعت أسماؤهم في أرض الوطن والمهجر. فكان منهم البطاركة والأساقفة وعدد كبير من الكهنة؛ كما نجد فيهم الذين تبوَّأوا المناصب السياسيَّة والاجتماعيَّة الرفيعة والمهن الإنسانيَّة والاقتصاديَّة والفنِّيَّة والأدبيَّة... والوجه الأبرز بينهم هو وجه صاحب هذه الترجمة البطريرك المكرَّم إسطفانُس الدويهيّ الذي ننتظر من الله أعجوبة بشفاعته ليُصار إلى رفعه على المذابح وإعلانه طوباويًّا على مثال من سبقه من القدّيسين اللبنانيّين العظام
فالدويهيّ هو علم من أعلام كنيستنا المارونيَّة. وهو علاَّمة من الطراز الرفيع، قلَّ نظيره في عصره وفي جميع العصور، في المعرفة والعلم والثقافة حتّى اشتهر اسمه في الأوساط الأوروبِّيَّة حيث تعلَّم وتخرَّج ملفانًا في الفلسفة واللاهوت، وفاق أترابه وكلَّ من سبقه أو أتى بعده من تلامذة مرُّوا في المدرسة المارونيَّة في رومة. كما اشتهر في الأوساط اللبنانيّة بما تحلّى من صفات المؤرِّخ النجيب واللاهوتيّ الضليع والليتورجيّ الدقيق والفنّان المرهف... وبالرغم من المناصب الرفيعة التي تبوَّأها، والعلوم العالية التي اكتنزها، والشهرة الواسعة التي حازها، والكتب الكثيرة التي دوَّنتها يده، عَدَّ كلَّ شيء كالزبل، على مثال بولس الرسول، ليربح المسيح، الذي كرَّس له حياته كلَّها
فالبطريرك إسطفان الدويهيّ هو خلاصة الشعب المارونيّ، فيه تقمَّصت الفطرة المارونيَّة بكلِّ صفاتها الحسنة وذلك منذ صغره. ولمَّا تسنَّم المراتب العالية واطَّلع على أخبار سلفائه الأحبار الأبرار أخذ من أمثالهم سبيلاً لممارسة الفضائل كلِّها فصار بإيمانه كإبرهيم الخليل وباحتماله المحن والنوائب كأيّوب الصدّيق، وبجرأته المقدامة كموسى كليم الله، وشابه باتِّكاله على عناية ربِّه بولسَ الرسول، وأحبَّ السيِّد المسيح كبطرس الرسول والتلميذ الحبيب، وزيَّن عنقه بقلادة الفضائل الإنجيليَّة كمارون الناسك الإلهيّ، ودبَّر رعيَّته وساسها بحكمة كيوحنّا مارون، أوَّلِ بطريرك على الكنيسة المارونيَّة، فأصبح بذلك مثال الرعاة الصالحين والمدبِّرين الحقيقيّين
* * *
وهذا الكتاب هو الثاني من سلسلة "زهيرات" التي نتوخّى – إن شاء الله – أن تصدر تباعًا مع قدّيسين لبنانيّين وشرقيّين وعالميّين. فيها نتعرَّف إلى مزايا هذا القدّيس أو ذاك، وإلى بعضٍ من خصاله الحميدة، وإلى العجائب التي جرت على يده. لاقى كتابُنا الأوَّل من هذه السلسلة الرواج الواسع، والحمد لله، ونرجو لهذا الكتاب أن يلقى المصير ذاته، رغبة منّا في أن يتعرَّف أبناء وطننا الحبيب إلى مؤمنين من أرضنا استطاعوا أن يبلغوا ببساطة الحياة ورتابتها، وبمشاكلها وهمومها إلى أعلى درجات القداسة
ليس في هذا الكتاب من جديد، فكلُّ المعلومات يستطيع القارئ النجيب أن يجدها في سائر الكتب التي دُوِّنت حول سيرة البطريرك الدويهيّ[1]، وهي عديدة. يبقى الأسلوب الذي نتوخَّى أن يكون سهلاً للقارئ الكريم، مع ما يغنيه من معانٍ يستخلصها القارئ وعبَرٍ يستفيد منها لحياته الخاصَّة، وتأمُّلات تنمّي شخصيَّته المسيحيّة وترفعه إلى الأعالي
يقسم هذا الكتاب إلى قسمين. نقرأ في قسم أوَّل سيرة البطريرك الدويهيّ بشكل مقتضب، بعدما نكون أعطينا لمحة سريعة عن تاريخ مدينته إهدن، ثمَّ ننتقل لنتكلَّم، في قسم ثانٍ، على زهيرات البطريرك الدويهيّ، أي فضائله والآيات التي أجراها الله على يديه المباركتين
سنة 1999، صدر لي كتابٌ حول سيرة البطريرك إسطفانُس الدويهيّ في سلسلة "الشهود" تحت عنوان منارة الشرق، رقم 66. وهذا كتابٌ آخر ينضمُّ إلى سلسلة الكتب التي أصدرتُها حتّى الساعة، لا أبغي منها سوى تمجيد اسم الله وإرواء غليل النفوس العطشى إلى كلمة تروي العقل والقلب وتكون وسيلة بين الوسائل التي تشقُّ الدرب أمام القارئ الكريم نحو الملكوت
الخوري أنطوان الدويهيّ
حين بدأت بتدوين الكتاب الأوَّل من هذه السلسلة زهيرات بونا يعقوب، شعرتُ أنَّني أدوِّنَ سيرة كاهن قريب منّي، هو جاري وابن بلدتي غزير. رقص قلبي فرحًا وتهلَّل لإعلانه طوباويًّا، فراح قلمي يخطُّ – بل بالأحرى راحت يداي تضربان على الآلة – بكلِّ اندفاع وحماس راغبًا في صدور الكتاب في أسرع وقت ممكن، ليكون في متناول أبناء بلدتي وأبناء وطني الأحبّاء
وها أنا أنتقل في هذا الكتاب الجديد من هذه السلسلة إلى وجه آخر، أنتمي إلى أسرته العريقة، التي أعطت الكنيسة والوطن رجالات عظامًا، سطعت أسماؤهم في أرض الوطن والمهجر. فكان منهم البطاركة والأساقفة وعدد كبير من الكهنة؛ كما نجد فيهم الذين تبوَّأوا المناصب السياسيَّة والاجتماعيَّة الرفيعة والمهن الإنسانيَّة والاقتصاديَّة والفنِّيَّة والأدبيَّة... والوجه الأبرز بينهم هو وجه صاحب هذه الترجمة البطريرك المكرَّم إسطفانُس الدويهيّ الذي ننتظر من الله أعجوبة بشفاعته ليُصار إلى رفعه على المذابح وإعلانه طوباويًّا على مثال من سبقه من القدّيسين اللبنانيّين العظام
فالدويهيّ هو علم من أعلام كنيستنا المارونيَّة. وهو علاَّمة من الطراز الرفيع، قلَّ نظيره في عصره وفي جميع العصور، في المعرفة والعلم والثقافة حتّى اشتهر اسمه في الأوساط الأوروبِّيَّة حيث تعلَّم وتخرَّج ملفانًا في الفلسفة واللاهوت، وفاق أترابه وكلَّ من سبقه أو أتى بعده من تلامذة مرُّوا في المدرسة المارونيَّة في رومة. كما اشتهر في الأوساط اللبنانيّة بما تحلّى من صفات المؤرِّخ النجيب واللاهوتيّ الضليع والليتورجيّ الدقيق والفنّان المرهف... وبالرغم من المناصب الرفيعة التي تبوَّأها، والعلوم العالية التي اكتنزها، والشهرة الواسعة التي حازها، والكتب الكثيرة التي دوَّنتها يده، عَدَّ كلَّ شيء كالزبل، على مثال بولس الرسول، ليربح المسيح، الذي كرَّس له حياته كلَّها
فالبطريرك إسطفان الدويهيّ هو خلاصة الشعب المارونيّ، فيه تقمَّصت الفطرة المارونيَّة بكلِّ صفاتها الحسنة وذلك منذ صغره. ولمَّا تسنَّم المراتب العالية واطَّلع على أخبار سلفائه الأحبار الأبرار أخذ من أمثالهم سبيلاً لممارسة الفضائل كلِّها فصار بإيمانه كإبرهيم الخليل وباحتماله المحن والنوائب كأيّوب الصدّيق، وبجرأته المقدامة كموسى كليم الله، وشابه باتِّكاله على عناية ربِّه بولسَ الرسول، وأحبَّ السيِّد المسيح كبطرس الرسول والتلميذ الحبيب، وزيَّن عنقه بقلادة الفضائل الإنجيليَّة كمارون الناسك الإلهيّ، ودبَّر رعيَّته وساسها بحكمة كيوحنّا مارون، أوَّلِ بطريرك على الكنيسة المارونيَّة، فأصبح بذلك مثال الرعاة الصالحين والمدبِّرين الحقيقيّين
* * *
وهذا الكتاب هو الثاني من سلسلة "زهيرات" التي نتوخّى – إن شاء الله – أن تصدر تباعًا مع قدّيسين لبنانيّين وشرقيّين وعالميّين. فيها نتعرَّف إلى مزايا هذا القدّيس أو ذاك، وإلى بعضٍ من خصاله الحميدة، وإلى العجائب التي جرت على يده. لاقى كتابُنا الأوَّل من هذه السلسلة الرواج الواسع، والحمد لله، ونرجو لهذا الكتاب أن يلقى المصير ذاته، رغبة منّا في أن يتعرَّف أبناء وطننا الحبيب إلى مؤمنين من أرضنا استطاعوا أن يبلغوا ببساطة الحياة ورتابتها، وبمشاكلها وهمومها إلى أعلى درجات القداسة
ليس في هذا الكتاب من جديد، فكلُّ المعلومات يستطيع القارئ النجيب أن يجدها في سائر الكتب التي دُوِّنت حول سيرة البطريرك الدويهيّ[1]، وهي عديدة. يبقى الأسلوب الذي نتوخَّى أن يكون سهلاً للقارئ الكريم، مع ما يغنيه من معانٍ يستخلصها القارئ وعبَرٍ يستفيد منها لحياته الخاصَّة، وتأمُّلات تنمّي شخصيَّته المسيحيّة وترفعه إلى الأعالي
يقسم هذا الكتاب إلى قسمين. نقرأ في قسم أوَّل سيرة البطريرك الدويهيّ بشكل مقتضب، بعدما نكون أعطينا لمحة سريعة عن تاريخ مدينته إهدن، ثمَّ ننتقل لنتكلَّم، في قسم ثانٍ، على زهيرات البطريرك الدويهيّ، أي فضائله والآيات التي أجراها الله على يديه المباركتين
سنة 1999، صدر لي كتابٌ حول سيرة البطريرك إسطفانُس الدويهيّ في سلسلة "الشهود" تحت عنوان منارة الشرق، رقم 66. وهذا كتابٌ آخر ينضمُّ إلى سلسلة الكتب التي أصدرتُها حتّى الساعة، لا أبغي منها سوى تمجيد اسم الله وإرواء غليل النفوس العطشى إلى كلمة تروي العقل والقلب وتكون وسيلة بين الوسائل التي تشقُّ الدرب أمام القارئ الكريم نحو الملكوت