المقدِّمة
"ويومَ الأحدِ جاءتْ مريمُ المجدليّةُ باكرًا"
(يو 20: 1)
مريمُ المَجدليّة، من أنتِ؟ تتقدَّمينَ بشعرِكِ الطويلِ المُجَعَّد، حامِلةً قارورةَ الطيبِ بيَدَيكِ لتَغسلي قدمَي "رابّوني"، المعلِّمِ الحبيب. أيّتُها الجمالُ القديم! يا جميلةً بهيّة! هل أنتِ جليليَّةٌ أمْ من اليهوديَّة؟ هل أنتِ أختُ مرتا ولعازر؟ هل أنتِ تلكَ الخاطئةُ المجهولةُ التي غسلَتْ قدمَي يسوعَ في قريَةٍ مجهولةٍ من قُرى الجليل؟
كثيرٌ منَ الآباءِ والكتّابِ والمُؤَوِّلينَ ضمُّوا إلى شخصِكِ، ثلاثَ نساء ذُكرَتْ في الإنجيل. وغيرُهم فصَلُوا بين تلكَ النساءِ الثلاث. ما هي حقيقتُك؟ وكيفَ السبيلُ إلى اكتشافِ تلكَ الحقيقةِ اللغز؟
* * *
مريمُ اسمٌ حملَتْهُ نساءٌ كثيراتٌ في الكتابِ المقدَّس. هناك أوَّلاً مريمُ النبيّةُ أختُ موسى وهارون التي أصابَها البرصُ بسبَب خطيئتِها فوُضعَتْ خارجَ المحلَّة إلى أنْ تبرأ؛ ومريمُ ابنةُ بثيّة بنتُ فرعون. والبقيّاتُ مذكوراتٌ في العهدِ الجديدِ ولاسيّما في الإنجيل. منهنّ مَنْ هي نقيّةٌ بل هي أنقى النقيّاتُ وأطهرُ الطاهراتُ، قيلَ لها: "يا ممتلئةً نعمة". هي البهيّةُ كالشمس، والمضيئةُ كالبدْرِ الساطع، هي نجمةُ الصبح، هي مريمُ العذراء
ومنهنَّ مَن تبِعنَ يسوعَ في دربِه من الجليلِ إلى أورشليم. ومنهنَّ مَنْ استقبلَتْهُ في بيتِها في بيتَ عنيا، ومنهنَّ مَنٍ رافقنَه في دربِ الجلجلةِ حيث الصلبُ والموتُ، وأخيرًا منهنَّ من أتينَ إلى القبرِ ليُحنِّطنَ جثمانَه بالطيب، واكتشفْنَ الحقيقةَ الباهرة، حقيقةَ القيامةِ المجيدة. ومنهنَّ من استقبلَتِ التلاميذَ الأوائلَ في بيتِها (أع 12: 12-17)، وأخيرًا تلك المسيحيّةُ العاملةُ في كنيسةِ رومة
* * *
و"مريمُ المجدليَّة" اسمٌ لامرأةٍ غامضةٍ مشهورةٍ بينَ شخصيّاتِ الكتابِ المقدَّس، بلْ بينَ شخصيّاتِ العهدِ الجديد، والإنجيلِ المقدَّسِ بالتحديد
مريمُ المجدليّةُ هي المرأةُ الثانيةُ في الإنجيلِ بعدَ مريمَ العذراء. وهي امرأةُ الحبّ قبْلَ أن تَكونَ امرأةَ التوبة. وهي التي بعْدَ يوحنّا المعمدان دهنَتْ بل مسحَتْ رأسَ المسيحِ بالزيت
"مريمُ المجدليّة، تلك التي أخرجَ منها يسوعُ سبعةَ شياطين". أتعني "الشياطينُ السبعةُ" مجموعةَ الرذائلِ كلِّها، كما قالَ أحدُ الآباء القدّيسين؟ والعددُ سبعة هو عددُ الشموليّة، أي أنَّها عرفَتْ الخطايا الرئيسيّةَ السبع؟ أم أنّها تعني شيئًا آخر؟
أتكونُ أختُ لعازرَ ومرتا هي تلكَ الخاطئةَ التي سكبَتِ الطيبَ على قدمَي يسوع؟ أهي ذاتُها مريمُ المجدليّة، التي رافقَتْ يسوعَ من الجليلِ إلى أورشليم، مع نساءٍ أُخرَيات؟
أسئلةٌ كثيرةٌ تُطرحُ هنا. أسئلةٌ يُحاولُ هذا الكتابُ أن يُجيبَ علَيها، وإنْ كانتِ الإجابةُ عليها فيها بعضُ المحاذير
* * *
سيرةُ مريمَ المجدليّة هي فعلاً مغامرةٌ جريئةٌ في عالمِ الكتابِ المقدَّس. هي غوصٌ في الكتابِ المقدَّس بعهدَيه، وغوصٌ في عالمِ النساءِ فيه، فتَدخُلُ حوّاءُ الخاطِئةُ مَسرحَ الأحداث، ومريمُ العذراءُ تَسكبُ هي أيضًا بحضورِها، من روحِها ونقاوتِها. وتلك الحبيبةُ في سفرِ نشيدِ الأناشيدِ تهرَعُ ليلاً للتفتيشِ عن حبيبِها، ولا ننسى أولئكَ النساءَ اللواتي رافقنَ يسوعَ وتلاميذَه من الجليلِ إلى أورشليم
سيرةُ مريمَ المجدليّة هي فعلاً دخولٌ في مواضيعَ روحيّةٍ ولاهوتيَّةٍ وكتابيَّةٍ تأويليَّة، فنغوصُ في معنى المَسِّ الشيطانيّ، وفي معنى التوبةِ والغفران، وفي معنى الحبِّ الكامل
سيرةُ مريم هي سيرةُ الحبِّ الكبيرِ بين التلميذةِ ومعلِّمِها، بين "الحبيبةِ وحبيبِها"، بينَ الناقصِ والكامل، بينَ الناقصِ الذي يسعى إلى الكاملِ والكمال، بعدما سعى الكاملُ إلى الناقصِ ليَنزِعَه من نقصِه ويُشاركَه في كمالِه
سيرةُ مريم هي سيرةُ غفرانٍ لامحدودٍ أمامَ حبٍّ لامحدود
سيرةُ مريمَ هي سيرةُ الحبِّ العميقِ الذي قادَ إلى الغفران: "غُفرَ لها الكثيرُ لأنَّها أحبَّتِ الكثير"
* * *
دُوِّنَتْ سيرةُ مريمَ المجدليّة في القرنِ الثالثَ عشَر، تحتَ عُنوانِ "السيرةُ الذهبيَّةُ لمريمَ المجدليّة"
جُمعَتْ فيها النساءُ الثلاثُ المذكوراتُ في الإنجيل: المرأةُ الخاطئة، مريمُ التي مِن بيتَ عنيا: أختُ مرتا ولعازر، ومريمُ المجدليّة
إنْ كانتْ مريمُ المجدليّةُ واحدةً أم ثلاثة، فنحنُ مع الفصلِ بينهُنَّ، كما سنَرى في القسمِ الثاني من كتابِنا هذا. ولكنَّنا مُحافَظةً على التقليدِ الذي ابتدأ منذُ القرنِ السادِس والذي جعلَهُنَّ في واحدة، إنَّا نعرِضُ أوَّلاً، بشكلٍ مُقتضَب، لحياةِ مريمَ المجدليّة، بالطريقةِ التي اعتدْنا الكتابةَ بها، مُستنِدينَ في قسمٍ كبيرٍ منها على السيرةِ الذهبيّةِ. ومِن ثمَّ ننتقلُ إلى دراساتٍ كتابيّةٍ مُعمَّقةٍ لإظهارِ أنَّ تلكَ النساءَ الثلاثَ هنَّ فعلاً ثلاثُ ولا يمكنُ الربطُ بينهنَّ أبدًا، بالرغمِ من كثرةِ آباءِ الكنيسةِ الأقدمين واللاهوتيّين المعاصرين الذينَ ما زالوا يربطونَ بينهنَّ، فيجعلونهنَّ واحدة
* * *
إذن، يُقسَمُ كتابُنا هذا إلى قسمَين: قسمٌ يَروي سيرةَ مريمَ المجدليّة، جامعينَ معها المرأةَ الخاطئةَ ومريمَ التي من بيت عنيا، تاركينَ، في هذا الربطِ، مريمَ المجدليّة تروي لنا قصّةَ حياتِها بذاتِها، جامعين بينَ الروحانيّةِ والواقعيّة، بأسلوبٍ شبهِ مَسرَحيّ
أمّا القسمُ الآخَرُ فهو يَتناولُ كلَّ امرأةٍ من النساء الثلاثِ على حدَة، محاولينَ إظهارَ نقاطِ الترابطِ ونقاطِ الاختلافِ بين تلكَ النساء اللواتي لا يُمكنُ جَمْعهُنَّ في امرأةٍ واحدةٍ أبدًا
الخوري أنطوان الدويهيّ
"ويومَ الأحدِ جاءتْ مريمُ المجدليّةُ باكرًا"
(يو 20: 1)
مريمُ المَجدليّة، من أنتِ؟ تتقدَّمينَ بشعرِكِ الطويلِ المُجَعَّد، حامِلةً قارورةَ الطيبِ بيَدَيكِ لتَغسلي قدمَي "رابّوني"، المعلِّمِ الحبيب. أيّتُها الجمالُ القديم! يا جميلةً بهيّة! هل أنتِ جليليَّةٌ أمْ من اليهوديَّة؟ هل أنتِ أختُ مرتا ولعازر؟ هل أنتِ تلكَ الخاطئةُ المجهولةُ التي غسلَتْ قدمَي يسوعَ في قريَةٍ مجهولةٍ من قُرى الجليل؟
كثيرٌ منَ الآباءِ والكتّابِ والمُؤَوِّلينَ ضمُّوا إلى شخصِكِ، ثلاثَ نساء ذُكرَتْ في الإنجيل. وغيرُهم فصَلُوا بين تلكَ النساءِ الثلاث. ما هي حقيقتُك؟ وكيفَ السبيلُ إلى اكتشافِ تلكَ الحقيقةِ اللغز؟
* * *
مريمُ اسمٌ حملَتْهُ نساءٌ كثيراتٌ في الكتابِ المقدَّس. هناك أوَّلاً مريمُ النبيّةُ أختُ موسى وهارون التي أصابَها البرصُ بسبَب خطيئتِها فوُضعَتْ خارجَ المحلَّة إلى أنْ تبرأ؛ ومريمُ ابنةُ بثيّة بنتُ فرعون. والبقيّاتُ مذكوراتٌ في العهدِ الجديدِ ولاسيّما في الإنجيل. منهنّ مَنْ هي نقيّةٌ بل هي أنقى النقيّاتُ وأطهرُ الطاهراتُ، قيلَ لها: "يا ممتلئةً نعمة". هي البهيّةُ كالشمس، والمضيئةُ كالبدْرِ الساطع، هي نجمةُ الصبح، هي مريمُ العذراء
ومنهنَّ مَن تبِعنَ يسوعَ في دربِه من الجليلِ إلى أورشليم. ومنهنَّ مَنْ استقبلَتْهُ في بيتِها في بيتَ عنيا، ومنهنَّ مَنٍ رافقنَه في دربِ الجلجلةِ حيث الصلبُ والموتُ، وأخيرًا منهنَّ من أتينَ إلى القبرِ ليُحنِّطنَ جثمانَه بالطيب، واكتشفْنَ الحقيقةَ الباهرة، حقيقةَ القيامةِ المجيدة. ومنهنَّ من استقبلَتِ التلاميذَ الأوائلَ في بيتِها (أع 12: 12-17)، وأخيرًا تلك المسيحيّةُ العاملةُ في كنيسةِ رومة
* * *
و"مريمُ المجدليَّة" اسمٌ لامرأةٍ غامضةٍ مشهورةٍ بينَ شخصيّاتِ الكتابِ المقدَّس، بلْ بينَ شخصيّاتِ العهدِ الجديد، والإنجيلِ المقدَّسِ بالتحديد
مريمُ المجدليّةُ هي المرأةُ الثانيةُ في الإنجيلِ بعدَ مريمَ العذراء. وهي امرأةُ الحبّ قبْلَ أن تَكونَ امرأةَ التوبة. وهي التي بعْدَ يوحنّا المعمدان دهنَتْ بل مسحَتْ رأسَ المسيحِ بالزيت
"مريمُ المجدليّة، تلك التي أخرجَ منها يسوعُ سبعةَ شياطين". أتعني "الشياطينُ السبعةُ" مجموعةَ الرذائلِ كلِّها، كما قالَ أحدُ الآباء القدّيسين؟ والعددُ سبعة هو عددُ الشموليّة، أي أنَّها عرفَتْ الخطايا الرئيسيّةَ السبع؟ أم أنّها تعني شيئًا آخر؟
أتكونُ أختُ لعازرَ ومرتا هي تلكَ الخاطئةَ التي سكبَتِ الطيبَ على قدمَي يسوع؟ أهي ذاتُها مريمُ المجدليّة، التي رافقَتْ يسوعَ من الجليلِ إلى أورشليم، مع نساءٍ أُخرَيات؟
أسئلةٌ كثيرةٌ تُطرحُ هنا. أسئلةٌ يُحاولُ هذا الكتابُ أن يُجيبَ علَيها، وإنْ كانتِ الإجابةُ عليها فيها بعضُ المحاذير
* * *
سيرةُ مريمَ المجدليّة هي فعلاً مغامرةٌ جريئةٌ في عالمِ الكتابِ المقدَّس. هي غوصٌ في الكتابِ المقدَّس بعهدَيه، وغوصٌ في عالمِ النساءِ فيه، فتَدخُلُ حوّاءُ الخاطِئةُ مَسرحَ الأحداث، ومريمُ العذراءُ تَسكبُ هي أيضًا بحضورِها، من روحِها ونقاوتِها. وتلك الحبيبةُ في سفرِ نشيدِ الأناشيدِ تهرَعُ ليلاً للتفتيشِ عن حبيبِها، ولا ننسى أولئكَ النساءَ اللواتي رافقنَ يسوعَ وتلاميذَه من الجليلِ إلى أورشليم
سيرةُ مريمَ المجدليّة هي فعلاً دخولٌ في مواضيعَ روحيّةٍ ولاهوتيَّةٍ وكتابيَّةٍ تأويليَّة، فنغوصُ في معنى المَسِّ الشيطانيّ، وفي معنى التوبةِ والغفران، وفي معنى الحبِّ الكامل
سيرةُ مريم هي سيرةُ الحبِّ الكبيرِ بين التلميذةِ ومعلِّمِها، بين "الحبيبةِ وحبيبِها"، بينَ الناقصِ والكامل، بينَ الناقصِ الذي يسعى إلى الكاملِ والكمال، بعدما سعى الكاملُ إلى الناقصِ ليَنزِعَه من نقصِه ويُشاركَه في كمالِه
سيرةُ مريم هي سيرةُ غفرانٍ لامحدودٍ أمامَ حبٍّ لامحدود
سيرةُ مريمَ هي سيرةُ الحبِّ العميقِ الذي قادَ إلى الغفران: "غُفرَ لها الكثيرُ لأنَّها أحبَّتِ الكثير"
* * *
دُوِّنَتْ سيرةُ مريمَ المجدليّة في القرنِ الثالثَ عشَر، تحتَ عُنوانِ "السيرةُ الذهبيَّةُ لمريمَ المجدليّة"
جُمعَتْ فيها النساءُ الثلاثُ المذكوراتُ في الإنجيل: المرأةُ الخاطئة، مريمُ التي مِن بيتَ عنيا: أختُ مرتا ولعازر، ومريمُ المجدليّة
إنْ كانتْ مريمُ المجدليّةُ واحدةً أم ثلاثة، فنحنُ مع الفصلِ بينهُنَّ، كما سنَرى في القسمِ الثاني من كتابِنا هذا. ولكنَّنا مُحافَظةً على التقليدِ الذي ابتدأ منذُ القرنِ السادِس والذي جعلَهُنَّ في واحدة، إنَّا نعرِضُ أوَّلاً، بشكلٍ مُقتضَب، لحياةِ مريمَ المجدليّة، بالطريقةِ التي اعتدْنا الكتابةَ بها، مُستنِدينَ في قسمٍ كبيرٍ منها على السيرةِ الذهبيّةِ. ومِن ثمَّ ننتقلُ إلى دراساتٍ كتابيّةٍ مُعمَّقةٍ لإظهارِ أنَّ تلكَ النساءَ الثلاثَ هنَّ فعلاً ثلاثُ ولا يمكنُ الربطُ بينهنَّ أبدًا، بالرغمِ من كثرةِ آباءِ الكنيسةِ الأقدمين واللاهوتيّين المعاصرين الذينَ ما زالوا يربطونَ بينهنَّ، فيجعلونهنَّ واحدة
* * *
إذن، يُقسَمُ كتابُنا هذا إلى قسمَين: قسمٌ يَروي سيرةَ مريمَ المجدليّة، جامعينَ معها المرأةَ الخاطئةَ ومريمَ التي من بيت عنيا، تاركينَ، في هذا الربطِ، مريمَ المجدليّة تروي لنا قصّةَ حياتِها بذاتِها، جامعين بينَ الروحانيّةِ والواقعيّة، بأسلوبٍ شبهِ مَسرَحيّ
أمّا القسمُ الآخَرُ فهو يَتناولُ كلَّ امرأةٍ من النساء الثلاثِ على حدَة، محاولينَ إظهارَ نقاطِ الترابطِ ونقاطِ الاختلافِ بين تلكَ النساء اللواتي لا يُمكنُ جَمْعهُنَّ في امرأةٍ واحدةٍ أبدًا
الخوري أنطوان الدويهيّ