المقدّمة
وُلد روكُس في مدينة مونتبلييه الفرنسيّة، في أواخر القرن الثالث عشر. أبوه هو الحاكم يوحنّا وأمّه تدعى ليبريا، وكانت عاقرًا. ابتهلت إلى الله ليرزقها ابنًا تنذره له. فاستجاب دعاءها، فولدت ابنًا ودعته روكُس وقد ظهر صليب أحمر على صدره، رمزًا لاستجابة الله دعاءها. نشأ الولد على محبّة الله تحت نظر أمّه الحنون، مترفّعًا عن ملذّات الدنيا، يشفق على الفقراء ويوزّع عليهم المال والطعام
ما كاد روكُس يبلغ العشرين من عمره حتّى توفّي والداه. فورث عنهما ثروة طائلة ومركزًا مرموقًا، وأصبح شابًّا بارزًا بين الشبّان الأشراف، ورغب الكثيرون في مصاهرته. أمّا هو فقد تعلّق قلبه بحبِّ الله دونَ سواه
سمع يومًا أحد الوعّاظ يقرأ في الكنيسة إنجيل الشّاب الغني، فاعتبر كلام المسيح موجّهًا إليه، عندما قال للشاب: "إن شئتَ أن تكون كاملاً فاذْهَبْ وبِعْ كلَّ مُقتناك، وزِّعْه على المساكين، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني". فعاد إلى بيته وباع سرًّا ما تيسّر له ثمّ سلّم عمّه الحكمَ وإدارة ما بقي من الأملاك، ومضى قاصدًا مدينة رومة ليعيش في كنفها عيشة الصَّلاة والفقر لابسًا ثوب الحجّاج التائبين
وصل روكُس إلى بلاد إيطالية فوجد مرض الطاعون متفشّيًا في رعاياها يحصد الآلاف. فأخذته الشّفقة والحميّة الرسوليّة فقام يخدم المصابين، يغسل قروحهم ويضمّدها بكلّ غيرة وتفان، لا يخاف من أن يصاب بالعدوى. فكافأه الربّ على هذه الغيرة بأن منحه صنع العجائب، حتّى إنّه راح يرسم إشارة الصليب على المرضى فيشفيهم. وراح الطاعون يتلاشى في كلّ مدينة وطأتها قدما البار. أمّا هو فأخذ يتنقّل من مدينة إلى أخرى يطهّرها، بصلاته وشفاعته، من جراثم ذلك المرض الخبيث
وما زال على هذا المنوال حتّى أصيب بهذا الداء، واشتدّت عليه وطأته فانزوى في كوخ داخل غابة بعيدًا عن الناس يتحمّل أوجاعه بكلّ استسلام لإرادة الله القدّوس الَّذي سمح أن يمرّ صفيّه بهذا الامتحان المرير. وقد سخّر الله كلبًا لكي يخدم البار روكس ويؤاسيه، فصار هذا الكلب يخطف كلّ يوم رغيفًا من مائدة سيّده، ويحمله إلى روكس. وقد تبعه سيّده يومًا فاكتشف أمر روكس فتأثّر بحياته القشفة وتخلّى عن ثروته آتيًا يخدم الله وعبده روكُس بكلّ محبّة رسوليّة
بعد أيّام كثيرة، شُفي روكس من مرضه، فرغب في العودة إلى دياره لزيارة أقربائه. ما إن وصل إلى بلده حتّى وجد الحروب الأهليّة تمزّقها. وكان عمّه واليًا عليها. أمّا هو، وقد تغيّرت ملامح وجهه بسبب الأسهار والأصوام والمرض الفتّاك، فقد قُبض عليه إذ اعتُبر جاسوسًا وأودع في سجن. فلم يشأ روكس أن يعرّف بنفسه بل احتمل ذلك كلّه رغبة في أن يُذَلّ حبًّا بالمسيح، وتشبّهًا به. فحوّل روكس ذلك السجن إلى منسك شهيّ، يمارس فيه أسمى أعمال العبادة والصوم والصلاة حتّى أدهش السجّان ومعاونيه. وظلّ على هذه الحال إلى أن اقترب أجله فطلب أن يزوّد بالأسرار الأخيرة. فدخل عليه الكاهن حاملاً إليه الزاد الأخير فوجد نورًا سماويًّا ينبعث من عينيه ويملأ السجن ضياء، فانذهل وراح يقصّ الخبر على الجميع بعد خروجه من السجن. فتهافت الناس لرؤية السجين الحبيس فوجدوه جثّة هامدة تنبعث منها الروائح العطرة
اكتشف عمّه أنّه روكس ابن أخيه يوحنّا من خلال الصليب المرسوم على صدره فحزن عليه كثيرًا وأراد أن يكفّر عن إثمه، فصنع له دفنًا لائقًا بالملوك والحكّام. ثمّ بنى فوق ضريحه كنيسة عظيمة، فصار الناس يكرّمونه ويطلبون شفاعته
أجرى الله عجائب كثيرة على ضريحه في تلك الكنيسة. وانتشرت عبادة القدّيس روكس في فرنسا، ومنها عمّت كلّ البلدان المسيحيّة
فلتكن صلاته معنا. آمين
الخوري أنطوان الدويهيّ
وُلد روكُس في مدينة مونتبلييه الفرنسيّة، في أواخر القرن الثالث عشر. أبوه هو الحاكم يوحنّا وأمّه تدعى ليبريا، وكانت عاقرًا. ابتهلت إلى الله ليرزقها ابنًا تنذره له. فاستجاب دعاءها، فولدت ابنًا ودعته روكُس وقد ظهر صليب أحمر على صدره، رمزًا لاستجابة الله دعاءها. نشأ الولد على محبّة الله تحت نظر أمّه الحنون، مترفّعًا عن ملذّات الدنيا، يشفق على الفقراء ويوزّع عليهم المال والطعام
ما كاد روكُس يبلغ العشرين من عمره حتّى توفّي والداه. فورث عنهما ثروة طائلة ومركزًا مرموقًا، وأصبح شابًّا بارزًا بين الشبّان الأشراف، ورغب الكثيرون في مصاهرته. أمّا هو فقد تعلّق قلبه بحبِّ الله دونَ سواه
سمع يومًا أحد الوعّاظ يقرأ في الكنيسة إنجيل الشّاب الغني، فاعتبر كلام المسيح موجّهًا إليه، عندما قال للشاب: "إن شئتَ أن تكون كاملاً فاذْهَبْ وبِعْ كلَّ مُقتناك، وزِّعْه على المساكين، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني". فعاد إلى بيته وباع سرًّا ما تيسّر له ثمّ سلّم عمّه الحكمَ وإدارة ما بقي من الأملاك، ومضى قاصدًا مدينة رومة ليعيش في كنفها عيشة الصَّلاة والفقر لابسًا ثوب الحجّاج التائبين
وصل روكُس إلى بلاد إيطالية فوجد مرض الطاعون متفشّيًا في رعاياها يحصد الآلاف. فأخذته الشّفقة والحميّة الرسوليّة فقام يخدم المصابين، يغسل قروحهم ويضمّدها بكلّ غيرة وتفان، لا يخاف من أن يصاب بالعدوى. فكافأه الربّ على هذه الغيرة بأن منحه صنع العجائب، حتّى إنّه راح يرسم إشارة الصليب على المرضى فيشفيهم. وراح الطاعون يتلاشى في كلّ مدينة وطأتها قدما البار. أمّا هو فأخذ يتنقّل من مدينة إلى أخرى يطهّرها، بصلاته وشفاعته، من جراثم ذلك المرض الخبيث
وما زال على هذا المنوال حتّى أصيب بهذا الداء، واشتدّت عليه وطأته فانزوى في كوخ داخل غابة بعيدًا عن الناس يتحمّل أوجاعه بكلّ استسلام لإرادة الله القدّوس الَّذي سمح أن يمرّ صفيّه بهذا الامتحان المرير. وقد سخّر الله كلبًا لكي يخدم البار روكس ويؤاسيه، فصار هذا الكلب يخطف كلّ يوم رغيفًا من مائدة سيّده، ويحمله إلى روكس. وقد تبعه سيّده يومًا فاكتشف أمر روكس فتأثّر بحياته القشفة وتخلّى عن ثروته آتيًا يخدم الله وعبده روكُس بكلّ محبّة رسوليّة
بعد أيّام كثيرة، شُفي روكس من مرضه، فرغب في العودة إلى دياره لزيارة أقربائه. ما إن وصل إلى بلده حتّى وجد الحروب الأهليّة تمزّقها. وكان عمّه واليًا عليها. أمّا هو، وقد تغيّرت ملامح وجهه بسبب الأسهار والأصوام والمرض الفتّاك، فقد قُبض عليه إذ اعتُبر جاسوسًا وأودع في سجن. فلم يشأ روكس أن يعرّف بنفسه بل احتمل ذلك كلّه رغبة في أن يُذَلّ حبًّا بالمسيح، وتشبّهًا به. فحوّل روكس ذلك السجن إلى منسك شهيّ، يمارس فيه أسمى أعمال العبادة والصوم والصلاة حتّى أدهش السجّان ومعاونيه. وظلّ على هذه الحال إلى أن اقترب أجله فطلب أن يزوّد بالأسرار الأخيرة. فدخل عليه الكاهن حاملاً إليه الزاد الأخير فوجد نورًا سماويًّا ينبعث من عينيه ويملأ السجن ضياء، فانذهل وراح يقصّ الخبر على الجميع بعد خروجه من السجن. فتهافت الناس لرؤية السجين الحبيس فوجدوه جثّة هامدة تنبعث منها الروائح العطرة
اكتشف عمّه أنّه روكس ابن أخيه يوحنّا من خلال الصليب المرسوم على صدره فحزن عليه كثيرًا وأراد أن يكفّر عن إثمه، فصنع له دفنًا لائقًا بالملوك والحكّام. ثمّ بنى فوق ضريحه كنيسة عظيمة، فصار الناس يكرّمونه ويطلبون شفاعته
أجرى الله عجائب كثيرة على ضريحه في تلك الكنيسة. وانتشرت عبادة القدّيس روكس في فرنسا، ومنها عمّت كلّ البلدان المسيحيّة
فلتكن صلاته معنا. آمين
الخوري أنطوان الدويهيّ