مقدِّمة
وردة كاشيا
كلَّ سنة، في اليوم الثاني والعشرين من شهر أيّار، تغصُّ الطريق المؤدِّية من روكاپورينا (مسقط رأس القدِّيسة ريتّا) إلى كاشيا بالمؤمنين الذين يحجُّون يوم عيد القدِّيسة ريتّا. كلُّ حاجٍّ يحمل في يده وردة ليضعها على ضريح القدِّيسة ريتّا. وفي وقت معيَّن، تُقام رتبة تبريك الورد فيعمدُ كلُّ حاجٍّ إلى أخذ وردة مباركة من أمام الضريح
تزدهي الطريق بالورود المتنوِّعة الألوان، حاملة الفرح والراحة لكلِّ الذين يحجُّون إلى ضريح قدِّيستهم المحبوبة ريتّا، الملقَّبة بـ"وردة كاشيا" بامتياز. فما قصَّة هذا الورد المبارَك؟
في شهر كانون الثاني سنة 1381، قبل خمسة أشهر من وفاة القدِّيسة ريتّا، في يوم اكتست كاشيا والقرى المجاورة بالثوب الأبيض، مع طقس شديد البرد، زارتها إحدى نسيباتِها وقبل أن تودِّعها سألتها قائلة
أترغبين في أن أقدِّم لك خدمة ما؟
أرغب بحرارة في أن تحضري لي وردةً، مع ثمرتَي تين موجودتين على شجرة التين في حديقة المنزل الوالديّ
تفاجأت النسيبة من طلب الراهبة ريتّا، واعتبرتها تهذي، وشدَّة المرض أثَّرت على وعيها. لكنَّها وعدتها باستجابة سؤلها، ومضت. وفي الطريق أخذت تفكِّر قائلة: "من أين لي أن أحضر للأخت ريتّا طلبها؟ أنحن في موسم التين والورد؟" وبسبب وعدها، توجَّهت إلى بيت الأخت ريتّا الأبويّ. وما إن وصلت إلى الحديقة، حتّى أخذتها الدهشة إذ رأت وردة متفتِّحة تغطِّيها الثلوج من كلِّ جوانبها فقطفتها، والتفتت إلى شجرة التين فوجدت حبَّتي تين شهيَّتين للمأكل، فقطفتهما وعادت مسرعة تحمل الوردة والثمرتين إلى الراهبة ريتّا وهي بغاية الغبطة والسرور
فريتّا التي سلَّمت أمرها لله طوال حياتها، لا بدَّ وأن تلقى من الربِّ جزاء تضحياتها خيراتٍ أرضيَّة فتتعزّى، ونعمًا سماويَّة مميَّزة، تجعلها عبرة لمن يَعتبر، وقدوة لمن يقتدي بمثلها
فرتبة بركة الورد هذه، يوم عيد القدِّيسة ريتّا، تساعدنا على تقويَّة إيماننا بالله. فريتّا تعلِّمنا أن نصبح أولاد الله الذين يرجونه ويضعونه ثقتهم به
* * *
نطالع في الكتاب المقدَّس مرجعين وحيدين، في سفر واحد، يتحدَّث فيهما الكاتب عن الورد. ففيما تمدح الحكمة نفسها في سفر يشوع بن سيراخ تشبِّه نفسها بالأرزة والسروة والنخلة والوردة فتقول: "هناك شمختُ كأرزة في لبنان، أو كسروة في جبل حرمون. كنخلةٍ في عين جدي نَمَوتُ، وكشجرة الورد في أريحا" (سي 24: 13-14). فالأرز رمزٌ للخلود، والنخل للانتصار، والسرو للشموخ والورد للجمال. واكتسبت القدِّيسة ريتّا الحكمة السماويَّة، فازدانت بجمال النفس والروح كالورد، وصمدت في وجه التجارب الكثيرة التي رافقت حياتها فانتصرت، وشمخت عالية في سلَّم الكمال واستحقَّت أن تدخل عالم السماء، عالم القداسة، عالم الخلود
أمّا المرجع الآخر ففيه مديح لسمعان بن أونيّا الكاهن الأعظم الذي رمَّم الهيكل وجدَّده، فقيل فيه: "كان كالورد المزهر أيّام الربيع، أو الزنبق على مجاري المياه..." (سي 50: 8). وريتّا أزهرت كالورد أيّام الربيع وأثمرت أعمالاً صالحة وعطرًا سماويًّا
* * *
أخذت النعم في كاشيا تتدفَّق على المؤمنين الملتمسين شفاء لنفوسهم وأجسادهم. فكثيرٌ من المرضى الذين التمسوا شفاعة القدِّيسة ريتّا وتناولوا جزءًا صغيرًا من وردة تباركت من ذخيرتها، نالوا شفاء من أمراض ظاهرة وخفيَّة، نفسيَّة وجسديَّة وروحيَّة. فأقامت الكنيسة رتبة خاصَّة، يوم عيد القدِّيسة ريتّا، تُباركُ فيها الوردَ رغبة في الحصول على نِعم إلهيَّة بشفاعة هذه القدِّيسة العظيمة
وارتأى خادم رعيَّة الغينه الغيور، الخوري مارون الصائغ، أن تُقام رتبة خاصَّة جديدة، يُبارَك فيها الورد والزيت والخبز، بعد موافقة السلطة الكنسيَّة، في عيد القدِّيسة ريتّا، بعد تطواف خشوعيٍّ من مدخل البلدة إلى الكنيسة المشيَّدة على اسمها. فأتى هذا الكتيِّب دليلاً ليتورجيًّا يساعد المؤمنين أن يدخلوا في روحانيَّة هذه الرتبة المقدَّسة
ولكن لماذا رتبة تبريك الزيت والخبز؟
رتبة تبريك الزيت
من عادة المسيحيّين الشرقيّين أن يجمعوا عظام الشهداء ويضعونها في أجران حجريَّة، ويصبُّون فوقها قليلاً من الزيت، فيتقدَّس الزيت بملامسته عظام الشهداء، فيأخذون منه ويدهنون به أجسامهم. وحثَّ القدِّيس يوحنّا الذهبيُّ الفم في إحدى عظاته في أنطاكية جماعةَ المؤمنين أن يأتوا إلى الكنيسة بقارورة فارغة ويحملوا فيها إلى بيوتهم قليلاً من زيت الشهداء طلبًا للشفاء وللقوَّة على تحمُّل مصائب الحياة
ونعمت رعيَّة الغينة بذخيرة ثمينة للقدِّيسة ريتّا. يعود الفضل في الحصول عليها إلى صاحب السيادة المطران أنطوان – نبيل العنداريّ النائب البطريركيّ العامّ على منطقة جونيه، الذي بعث برسالة مع الأب جوزف شلالا الكرمليّ إلى دير الراهبات الأغوسطينيّات في كاشيا التمس فيها من رئيسة الدير، نعمةَ الحصول على ذخيرة للقدِّيسة ريتّا
فلمَ لا نعودُ إلى تراثِنا الشرقيِّ القديم، ونعيدُ ما قام به أجدادُنا من تبريك للزيت بذخائر القدِّيسين، ضمن رتبة كنسيَّة، ولاسيَّما وأنَّ قدِّيستنا تحمَّلت بقوَّة مصائب الحياة وأضحت شفيعة للأمور المستحيلة؟
رتبة تبريك الخبز
مات فرناندو زوجُ ريتّا قتلاً على يدِ مجرمَينِ، فغفرت لهما خطيئتهما. لم يشعرِ المجرمين بالأمان، لأنَّ العدالة لاحقتهما. فتجاسرا أن يمضيا إلى الأرملة الشابَّة يلتمسان منها المسامحة والملجأ ريثما تفقد العدالة الأمل في العثور عليهما. فسامحتهما القدِّيسة ريتّا وخبَّأتهما في قبوِ بيتها وراحت تطعمهما خبزًا وماء
وبعدما دخلت ريتّا إلى الدير، عاشت معظم أيَّام حياتِها على الخبز والماء، لاسيَّما في زمن الصوم المبارك
ورتبة الخبزِ هي تذكير لنا بأهمِّيَّة المسامحة وعيش المحبَّة تجاه الفقراء والمعوزين، وبأنَّ الخبزَ وكلمةَ الله هما قوتٌ كافٍ لأود حياتنا يذكِّرنا بالصلاة الربِّيَّة: "أعطنا خبزَنا كفاف يومنا"
* * *
هذه الرتبة هي صلاة كنسيَّة ليتورجيَّة حول ذخيرة القدِّيسة ريتّا، ذكرى لحدث ظهور تلك الوردة العجائبيَّة في زمن البرد والثلوج بطلب من القدِّيسة ريتّا، ومستندة على روحانيَّتها، ومستقاة في قسم منها، من تراثنا المارونيِّ من خلال كتاب الطقوس لخدمة الأسرار المقدَّسة، الصادر عن الكرسيِّ البطريركيِّ في بكركي سنة 1942
هي تذكير بالحكمة الإلهيَّة التي اتَّخذت لها من الطبيعة رموزًا تدلُّ على أصالتها وخلودها وجمالها ومن بين تلك الرموز الورد الجميل والزيتون القويّ في السهل .سي 24: 14
الخوري أنطوان الدويهي
وردة كاشيا
كلَّ سنة، في اليوم الثاني والعشرين من شهر أيّار، تغصُّ الطريق المؤدِّية من روكاپورينا (مسقط رأس القدِّيسة ريتّا) إلى كاشيا بالمؤمنين الذين يحجُّون يوم عيد القدِّيسة ريتّا. كلُّ حاجٍّ يحمل في يده وردة ليضعها على ضريح القدِّيسة ريتّا. وفي وقت معيَّن، تُقام رتبة تبريك الورد فيعمدُ كلُّ حاجٍّ إلى أخذ وردة مباركة من أمام الضريح
تزدهي الطريق بالورود المتنوِّعة الألوان، حاملة الفرح والراحة لكلِّ الذين يحجُّون إلى ضريح قدِّيستهم المحبوبة ريتّا، الملقَّبة بـ"وردة كاشيا" بامتياز. فما قصَّة هذا الورد المبارَك؟
في شهر كانون الثاني سنة 1381، قبل خمسة أشهر من وفاة القدِّيسة ريتّا، في يوم اكتست كاشيا والقرى المجاورة بالثوب الأبيض، مع طقس شديد البرد، زارتها إحدى نسيباتِها وقبل أن تودِّعها سألتها قائلة
أترغبين في أن أقدِّم لك خدمة ما؟
أرغب بحرارة في أن تحضري لي وردةً، مع ثمرتَي تين موجودتين على شجرة التين في حديقة المنزل الوالديّ
تفاجأت النسيبة من طلب الراهبة ريتّا، واعتبرتها تهذي، وشدَّة المرض أثَّرت على وعيها. لكنَّها وعدتها باستجابة سؤلها، ومضت. وفي الطريق أخذت تفكِّر قائلة: "من أين لي أن أحضر للأخت ريتّا طلبها؟ أنحن في موسم التين والورد؟" وبسبب وعدها، توجَّهت إلى بيت الأخت ريتّا الأبويّ. وما إن وصلت إلى الحديقة، حتّى أخذتها الدهشة إذ رأت وردة متفتِّحة تغطِّيها الثلوج من كلِّ جوانبها فقطفتها، والتفتت إلى شجرة التين فوجدت حبَّتي تين شهيَّتين للمأكل، فقطفتهما وعادت مسرعة تحمل الوردة والثمرتين إلى الراهبة ريتّا وهي بغاية الغبطة والسرور
فريتّا التي سلَّمت أمرها لله طوال حياتها، لا بدَّ وأن تلقى من الربِّ جزاء تضحياتها خيراتٍ أرضيَّة فتتعزّى، ونعمًا سماويَّة مميَّزة، تجعلها عبرة لمن يَعتبر، وقدوة لمن يقتدي بمثلها
فرتبة بركة الورد هذه، يوم عيد القدِّيسة ريتّا، تساعدنا على تقويَّة إيماننا بالله. فريتّا تعلِّمنا أن نصبح أولاد الله الذين يرجونه ويضعونه ثقتهم به
* * *
نطالع في الكتاب المقدَّس مرجعين وحيدين، في سفر واحد، يتحدَّث فيهما الكاتب عن الورد. ففيما تمدح الحكمة نفسها في سفر يشوع بن سيراخ تشبِّه نفسها بالأرزة والسروة والنخلة والوردة فتقول: "هناك شمختُ كأرزة في لبنان، أو كسروة في جبل حرمون. كنخلةٍ في عين جدي نَمَوتُ، وكشجرة الورد في أريحا" (سي 24: 13-14). فالأرز رمزٌ للخلود، والنخل للانتصار، والسرو للشموخ والورد للجمال. واكتسبت القدِّيسة ريتّا الحكمة السماويَّة، فازدانت بجمال النفس والروح كالورد، وصمدت في وجه التجارب الكثيرة التي رافقت حياتها فانتصرت، وشمخت عالية في سلَّم الكمال واستحقَّت أن تدخل عالم السماء، عالم القداسة، عالم الخلود
أمّا المرجع الآخر ففيه مديح لسمعان بن أونيّا الكاهن الأعظم الذي رمَّم الهيكل وجدَّده، فقيل فيه: "كان كالورد المزهر أيّام الربيع، أو الزنبق على مجاري المياه..." (سي 50: 8). وريتّا أزهرت كالورد أيّام الربيع وأثمرت أعمالاً صالحة وعطرًا سماويًّا
* * *
أخذت النعم في كاشيا تتدفَّق على المؤمنين الملتمسين شفاء لنفوسهم وأجسادهم. فكثيرٌ من المرضى الذين التمسوا شفاعة القدِّيسة ريتّا وتناولوا جزءًا صغيرًا من وردة تباركت من ذخيرتها، نالوا شفاء من أمراض ظاهرة وخفيَّة، نفسيَّة وجسديَّة وروحيَّة. فأقامت الكنيسة رتبة خاصَّة، يوم عيد القدِّيسة ريتّا، تُباركُ فيها الوردَ رغبة في الحصول على نِعم إلهيَّة بشفاعة هذه القدِّيسة العظيمة
وارتأى خادم رعيَّة الغينه الغيور، الخوري مارون الصائغ، أن تُقام رتبة خاصَّة جديدة، يُبارَك فيها الورد والزيت والخبز، بعد موافقة السلطة الكنسيَّة، في عيد القدِّيسة ريتّا، بعد تطواف خشوعيٍّ من مدخل البلدة إلى الكنيسة المشيَّدة على اسمها. فأتى هذا الكتيِّب دليلاً ليتورجيًّا يساعد المؤمنين أن يدخلوا في روحانيَّة هذه الرتبة المقدَّسة
ولكن لماذا رتبة تبريك الزيت والخبز؟
رتبة تبريك الزيت
من عادة المسيحيّين الشرقيّين أن يجمعوا عظام الشهداء ويضعونها في أجران حجريَّة، ويصبُّون فوقها قليلاً من الزيت، فيتقدَّس الزيت بملامسته عظام الشهداء، فيأخذون منه ويدهنون به أجسامهم. وحثَّ القدِّيس يوحنّا الذهبيُّ الفم في إحدى عظاته في أنطاكية جماعةَ المؤمنين أن يأتوا إلى الكنيسة بقارورة فارغة ويحملوا فيها إلى بيوتهم قليلاً من زيت الشهداء طلبًا للشفاء وللقوَّة على تحمُّل مصائب الحياة
ونعمت رعيَّة الغينة بذخيرة ثمينة للقدِّيسة ريتّا. يعود الفضل في الحصول عليها إلى صاحب السيادة المطران أنطوان – نبيل العنداريّ النائب البطريركيّ العامّ على منطقة جونيه، الذي بعث برسالة مع الأب جوزف شلالا الكرمليّ إلى دير الراهبات الأغوسطينيّات في كاشيا التمس فيها من رئيسة الدير، نعمةَ الحصول على ذخيرة للقدِّيسة ريتّا
فلمَ لا نعودُ إلى تراثِنا الشرقيِّ القديم، ونعيدُ ما قام به أجدادُنا من تبريك للزيت بذخائر القدِّيسين، ضمن رتبة كنسيَّة، ولاسيَّما وأنَّ قدِّيستنا تحمَّلت بقوَّة مصائب الحياة وأضحت شفيعة للأمور المستحيلة؟
رتبة تبريك الخبز
مات فرناندو زوجُ ريتّا قتلاً على يدِ مجرمَينِ، فغفرت لهما خطيئتهما. لم يشعرِ المجرمين بالأمان، لأنَّ العدالة لاحقتهما. فتجاسرا أن يمضيا إلى الأرملة الشابَّة يلتمسان منها المسامحة والملجأ ريثما تفقد العدالة الأمل في العثور عليهما. فسامحتهما القدِّيسة ريتّا وخبَّأتهما في قبوِ بيتها وراحت تطعمهما خبزًا وماء
وبعدما دخلت ريتّا إلى الدير، عاشت معظم أيَّام حياتِها على الخبز والماء، لاسيَّما في زمن الصوم المبارك
ورتبة الخبزِ هي تذكير لنا بأهمِّيَّة المسامحة وعيش المحبَّة تجاه الفقراء والمعوزين، وبأنَّ الخبزَ وكلمةَ الله هما قوتٌ كافٍ لأود حياتنا يذكِّرنا بالصلاة الربِّيَّة: "أعطنا خبزَنا كفاف يومنا"
* * *
هذه الرتبة هي صلاة كنسيَّة ليتورجيَّة حول ذخيرة القدِّيسة ريتّا، ذكرى لحدث ظهور تلك الوردة العجائبيَّة في زمن البرد والثلوج بطلب من القدِّيسة ريتّا، ومستندة على روحانيَّتها، ومستقاة في قسم منها، من تراثنا المارونيِّ من خلال كتاب الطقوس لخدمة الأسرار المقدَّسة، الصادر عن الكرسيِّ البطريركيِّ في بكركي سنة 1942
هي تذكير بالحكمة الإلهيَّة التي اتَّخذت لها من الطبيعة رموزًا تدلُّ على أصالتها وخلودها وجمالها ومن بين تلك الرموز الورد الجميل والزيتون القويّ في السهل .سي 24: 14
الخوري أنطوان الدويهي